إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ،وكل ضلالة في النار.
فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور , طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً.
حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته ,إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير.
فاعيروني القلوب والأسماع والله أسأل أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب .
أولاً : تعريف الصلاة في اللغة والإصطلاح .
أحبتي في الله :
الصلاة في اللغة : الدعاء , ومنه قوله سبحانه وتعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ) , ولذا كان امتثال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر الرباني أنه إذا جاءه أحد بصدقته دعا له
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صل على آل فلان ، فأتاه أبي بصدقته ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى .
والصلاة في الاصطلاح : أفعال مخصوصة بنية مخصوصة في أوقات مخصوصة مُفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم .
إن الصلاة فرضها الله عز وجل على نبيِّه صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات ، كما في حديث الإسراء والمعراج المتفق عليه , وقد فرضها الله خمسين صلاة في اليوم والليلة , فمازال يخفف حتى جعلها خمس صلوات في اليوم والليلة وهي بأجر خمسين صلاة وهذا فضل من الله عظيم لأمة محمد (صلى الله عليه وسلم ) .
ولِعِظم أهمية ومكانة الصلاة , سماها الله عز وجل إيماناً ، فقال عن صلاتهم التي صلّوها إلى بيت المقدس : (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) قال الإمام البخاري رحمه الله : باب الصلاة من الإيمان وقول الله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )يعني صلاتكم عند البيت , وهي وصية رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند حلول الموت فكان آخر كلامه صلى الله عليه وسلم : الصلاة الصلاة ، رواه الإمام أحمد وأبو داود , وهي أول ما يُحاسب عنه العبدُ يوم القيامة ، وهي عمود الدين ، وقد أمر الله رسوله والمؤمنين بالصلاة حال القتال , فلو كان أحد يُعذر بترك الصلاة لعُذر المصافّ للعدو ، أو لعُذِر الذي يُقاتِل العدو في شدّة قتاله , ولم يُرخّص النبي صلى الله عليه وسلم , في ترك الصلاة جماعة للرجل الأعمى الذي جمع من الأعذار :عمى البصر وبُعد الدار وليس له قائد يُلائمه وفي طريقه الهوامّ ,
ولم يتركها النبي صلى الله عليه وسلم , وهو في مرض الموت ، بل كان يسأل في مرض موته : أصلى الناس ؟
كما في الصحيحين .
وجعلها الله حدّاً فاصلا بين الكفر والإسلام فقال فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) , وجعلها النبي صلى الله عليه وسلم , أيضا حدا فاصلا بين الإسلام والكفر فقال : بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة , رواه مسلم .
وفضل الصلاة عظيم , وذلك لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر, وأفضلُ الأعمال بعد الشهادتين, ويرفعُ الله بها الدرجات ويحطُّ الخطايا, ونور لصاحبها في الدنيا
والآخرة, وتمحو الخطايا والذنوب, ويغفر الله بها الذنوب فيما بينها وبين الصلاة التي تليها, والمشي إليها يرفع الدرجات ويحط الخطايا, وتُعدُّ له الضيافة في الجنة كلما غدا إليها المسلم أو راح, و إذا تطهر وخرج إليها فهو في صلاة حتى يرجع، ويُكتب له أجر ممشاه ذهاباً ورجوعاً , وانتظارها يعدلُ رباطاً في سبيل الله, وأعظم أسباب دخول الجنة برفقة النبي, وأن الملائكة تدعو لصاحبها ما دام في مُصلاه, وتكفيرُ السيئات .
وهي على نوعين , صلاة الفرض – وهي الصلوات الخمس المعروفة - والصلاة النافلة , هي ما سوى الفرائض، وتنقسم إلى قسمين : نوافل تابعة للفرائض ، وتسمى بالرواتب أو سنن الفرائض وهي نوعان : مؤكدات، وهي اثنتا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر , وغير المؤكدات: أربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وركعتان قبل العشاء , أما النوافل غير الرواتب، فهي كثيرة منها: الوتر، وصلاة الضحى ، وهناك نوع من النوافل يسميه بعض العلماء سنناً مؤكدة : كالعيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف , وهناك نوافل مطلقة غير مقيدة بعدد، وهي تصلى في أي وقت باستثناء أوقات النهي .
ثالثاً : المراد بصلاة البردين , ولماذا سميت بهذا الاسم .
البردين : بفتح الموحدة وسكون الراء تثنية برد ، وقد اختلف العلماء في تحديد هاتين الصلاتين , فقيل صلاة العشاء والفجر وقيل صلاة العصر والمغرب وقيل صلاة الفجر والعصر وهو الصحيح ، ويدل على ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم - في حديث جرير " صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " زاد في رواية مسلم " يعني العصر والفجر .
وتسمية العصر : قال الحموي : لأنها تعاصر وقت المغرب ،
وقال بعضهم : لأنها تعصر ، بمعني تؤخر إلي آخر النهار ، ولهذا قال
الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه : لايدخل وقتها إلا بمصير الظل مثلين ،
وكأنه أخذ من عصارة الشيء وهو نقبه .
وسميتا بردين , قال الخطابي سميتا بردين لأنهما تصليان في بردى النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر ونقل عن أبي عبيد أن صلاة المغرب تدخل في ذلك أيضا .
يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- والبردان هما الفجر, وفيه برودة الليل والعصر , وفيه برودة النهار .
1- أنها سبب لدخول الجنة , لقوله – صلى الله عليه وسلم (من صلى البردين دخل الجنة ) .
2- أنها سبب للنجاه من النار , لقوله – صلى الله عليه وسلم (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) .
3- أنها سبب لرؤية الله – سبحانه وتعالى - , لقوله – صلى الله عليه وسلم (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامونفي رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها ) .
4- أنها سبب للمغفرة وشهادة الملائكة لمن يصليها , لقوله – صلى الله عليه وسلم (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح والعصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم كيف وجدتم عبادي فيقولون تركناهم وهو يصلون وأتيناهم وهم يصلون ) , قال سليمان – الراوي عن ابي هريرة - ولا أعلمه إلا قد قال فيه فأغفر لهم يوم الدين .
1 – خصها الله بالمحافظة بعد التعميم , قال تعالى {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } وهي صلاة العصر لقوله – صلى الله عليه وسلم – يوم الخندق وهو يدعوا على المشركين (ملا الله قبورهم وبيوتهم نارا كما اشغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس ) , ومعنى الوسطى: من الوسط، وهو الشرف والفضل، كقوله تعالى ): وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) أي: خيارًا عدولا، هذا هو المختار، وقال بعضهم: معنى كونها الصلاة الوسطى أنها متوسطة بين الصلوات، وهذا ضعيف .
يقول ابن تيمية: "تفويت العصر أعظم من تفويت غيرها فإنها الصلاة الوسطى التي أمرنا بالمحافظة عليها وقد فرضت على من كان قبلنا فضيعوها " .
2 – من فوتها فكأنما سلب أهله وماله , لقوله – صلى الله عليه وسلم -(من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر [سلب] أهله وماله) .
3 – تركها عمداً يحبط العمل , لقوله – صلى الله عليه وسلم -( من ترك صلاة العصر حبط عمله) .
1 – أن قراءة القرآن في وقتها قراءة مشهودة , لقوله تعالى ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودا (.
2 – أن الله تبارك وتعالى أقسم بوقتها , قال تعالى ( والفجر وليالٍ عشر ) .
3 – كون مصليها في ذمة الله , لقوله – صلى الله عليه وسلم -( من صلَّى الصبح فهو في ذمة الله) .
4 – أنها تعادل قيام ليلة كاملة , لقوله – صلى الله عليه وسلم -( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله).
5 – المحافظ عليها من أهل النور التام , قوله – صلى الله عليه وسلم -( بشر المشائين في الظلم إلى المسجد بالنور التام يوم القيامة) , والنور على قدر الظلمة لقوله – صلى الله عليه وسلم -( فيعطون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يغطي نوره مثل الجبل بين يديه ومنهم من يغطي فوق ذلك ومنهم من يغطي نوره مثل النخلة بيمينه حتى يكون آخر من يغطي نوره على إبهام قدمــــــــــــه يضيء مرة وينطفئ مرة) .
6 – ركعتيها تعادل الدنيا وما فيها , لقوله – صلى الله عليه وسلم -( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) .
7 – البركة في وقتها , لقوله – صلى الله عليه وسلم -( اللهم بارك لأمتي في بكورها ) .