منذ ولدت وأنا أتلقى من المجتمع
عادات وتقاليد كبرت عليها "أنا"،
وأصبحت من المسلمات التي لا سبيل
عندي لأن أناقش فيها، وكأنها صواب
مطلق أو خطأ مطلق.
لكن مع مرور الأيام.. وتطورات الحياة،
بتّ أتراجع عن كثير من المفاهيم
المكتسبة من البيئة والمجتمع،
وكثير من الصواب الذي كنت أعتقد
أنه كذلك.. بتّ أراه خطأ، والعكس كذلك.
وجميعنًا مع مرور الوقت والنضج،
نصبح أكثر وعيًا وإدراكًا، وتصبح
قراراتنا أقرب إلى الصواب والحكمة
من مراحل الصبا والطيش.
لكن هناك تفاصيل صغيرة جدًا
مستحيل أن تغيرها الأيام بأي
حال، تفاصيل تنشأ معك وتعيش معك
وقد تموت معك أيضا، تفاصيل
لو تغيرت ستشعر بأن هناك خللًا ما
في شخصك قد حدث.
أنا عني، تعودت منذ أن صحوت على
دنياي ألا أرفع صوتي في مجلس
أبي -رحمه الله- ولا أمام أي شخص من
رفاق أبي، ورغم مضي أكثر من 8 سنوات
على الرحيل فإنني كل ما صادفت
أحدهم ترتعش جوارحي رهبة من
حضرته، وهذه من التفاصيل الصغيرة
التي لو شعرت بأنها ذهبت سأدرك
أنني قد تغيرت كثيرًا كثيرًا.
الشاهد
قد تغيرنا نوائب الدهر، وربما عقارب
عمرنا تمر سريعة، وتدور بنا الدنيا
إلى حد الغثيان، وتبعدنا المسافات
عن أرضنا ومجتمعاتنا وعن مجالس
مراتعنا القديمة التي كنا نكتسب
منها قوانين الحياة ودروس التعامل
الصغيرة منها والكبيرة، لكن إياكم
أن تكون تلكم الأشياء سببا لننسلخ
من تفاصيلنا الصغيرة الجميلة التي
يستحيل أن تجد مثل بهجتها الزاهية
التي تحيي بنا الروح العتيقة.
الدول التي نهاجر إليها، الثقافات
الجديدة التي نكتسبها، معاشرة الشعوب
التي تختلف مفاهيم تعاملها عن مفاهيم
تعاملنا مع الناس، الأشخاص والأصدقاء
الجدد الذين تختلف عاداتهم وتقاليدهم
عن عاداتنا وتقاليدنا؛ كل هذه الأشياء
تؤثر في عقولنا ومسارها الذي تسير
عليه منذ النشأة.
لكن هذه ليست حججا أبدا تجعلنا
نتخلى عن كل مبادئ الحياة التي
رُبّينا عليه، وليست سببا حتى ننقلب
رأسًا على عقب وننسى كل التفاصيل
الجميلة التي كانت تلتف حولنا منذ
الصغر حتى بلغنا من العمر سن الشباب.
فحافظوا دائمًا على المجهر الذي
تكبرون من خلاله التفاصيل الصغيرة،
والمرآة التي تعكس لكم صور
الماضي الجميل.
وليكن نبراسنا وشعلة طريقنا
وشعار حياتنا "لا.. لن أتغير" فالمبادئ
لا تباع بسوق البعد وطول الأمد
ومحال أن تشترى.
ولتبق ذاكرتنا محتفظة بالتفاصيل
التي لا تنتهي وبالحكايات التي تأبى
أن ترحل، والأشياء التي يصعب أن تنسى.