قال الزرقاني:
أي من سعة انتشارها وتنفسها، ومنه مكان أفيح، أي متسع، وهذا كناية عن شدة استعارتها، وظاهره: أن مثار وهج
الحر في الأرض من فيحها حقيقة
شدة
الحر في الدنيا
تذكر بحر الموقف العظيم يوم القيامة كما تذكر بحر نار جهنم، وكلما اشتد
الحر في الدنيا كان ذلك أدعى للتفكر والتذكر، وعدم نسيان حر القيامة، وحر نار جهنم، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد ذكر لنا أن الشمس تكون قريبة من رؤوس العباد في عرصات القيامة مما يجعل كرب العباد شديداً، فيطلبون الخلاص بالفصل والقضاء ليذهب كل واحد منهم إلى سبيله: إما إلى جنة وإما إلى النار
قال عليه الصلاة والسلام:
«تدنوا الشمس يوم القيامة من الخلق
حتى تكون كمقدار ميل
فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق
فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم
من يكون إلى ركبتيه
ومنهم ما يكون إلى حقوبه
ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً»
وأشار النبي صلى الله عليه وسل
بيده إلى فيه
وإذا كان الناس يتأذون في الدنيا من شدة الحر
ومن عرقهم، فإن من الناس من سيغرق في عرقه يوم القيامة عوذاً من ذلك،
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض
سبعين باعاً وإنه ليبغ إلى أفواه
الناس وآذانهم»
وأشد من ذلك وأعظم:
نار جهنم من دخلها لا يقضى عليه فيموت، ولا يخفف عنه من عذابها، كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب.
إنها نار عظيمة ليست نار الدنيا على شدة حرها
واستعارها، وعظيم لهبها وشررها إلا جزءاً يسيراً منها، كما قال النبي صلى الله عليه والسلام:
«ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم»
قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافية
«فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً
كلهن مثل حرها»
قال القرطبي رحمه الله:
"يعني أنه لو جمع كل ما في الوجود من
النار
التي يوقدها بنو آدم لكانت جزءاً من أجزاء جهنم المذكورة، وبيانه: أنه لو جمع طلب الدنيا فوقد كله حتى صار ناراً، لكان الجزء الواحد من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءاً أشد من حر الدنيا كما بينه آخر الحديث".
خوف السلف من النار:
كان من هدي السلف الصالح الخوف
من عذاب النا
يقول فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"لو نادى مناد من السماءأيها الناس
إنكم داخلون
الجنة كلكم إلا رجلاً واحداً
لخفت أن أكون هو
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه:
"لو أني بين الجنة والنار ولا أدري
إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً
قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير"
والخوف من
النار يدفع المسلم إلى عمل الصالحات
واجتناب المحرمات والأخذ بأسباب النجاة
كما كان حال سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان، وكما كان العلماء الربانيون رحمهم الله تعالى على خوف دائم من عذاب الله تعالى مع رجاء رحمته تبارك وتعالى.
أعمال تقي من حر القيامة:
من هذه الأمة أقوام لا يحزنهم الفزع الأكبر
فهم آمنو ولا يحسون شمس الموقف القريبة من الرؤوس فهم محفوظون، ولا يجدون حرها ولا سمومها فهم منعمون، كانت لهم في الدنيا أعمال صالحة أوصلتهم إلى ظل عرش الرب تبارك وتعالى ومن هؤلاء:
1-السبعة المذكورون في حديث ابي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«سبعة يظلهم الله في ظله يوم
لا ظل إلا ظله
الإمام العادل
وشاب نشأ في عبادة ربه
ورجل قلبه معلق في المساجد
ورجلان تحابا في الله
اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه
ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال
فقال: إني أخاف الله
ورجل تصدق
أخفى حتى لا تعلم شماله
ما تنفق يمينه
ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه»
2-من أظل غازياً، كما في حديث عمر رضي الخطاب
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة»
3-المتصدقون كما أخبر عليه الصلاة والسلام أن:
«كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضي
بين الناس»
4-والمتحابون في الله تعالى لهم
نصيب من الظل يوم القيامة
«إن الله يقول يوم القيامة:
أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»
5-كثرة الدعاء من أسباب النجاة من عذاب الله تعالى
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ في كل صلاة من عذاب جهنم، وأمر بذلك، قال أنس رضي الله عنه: "كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
«ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار»
ومن دعاء المتقين الأبرار:
{
رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ}
فنسأل الله تعالى أن يظلنا في ظل عرشه
يوم لا ظل إلا ظله وأن يجيرنا من
النار برحمته، اللهم أجرنا من النار:
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ
إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءتْ
مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً
[الفرقان: 65-66]
منقول