منتديات هبوب الجنوب - عرض مشاركة واحدة - (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
عرض مشاركة واحدة
قديم 22-03-2014   #30


الصورة الرمزية سلطان الشوق

 
 عضويتي » 3309
 جيت فيذا » Mar 2014
 آخر حضور » 24-07-2021 (01:00 AM)
آبدآعاتي » 96
 حاليآ في »
دولتى الحبيبه »
جنسي  »
آلقسم آلمفضل  »
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  »
 التقييم » سلطان الشوق is on a distinguished road
اشجع shabab
مَزآجِي  »
 

سلطان الشوق غير متواجد حالياً

افتراضي رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير



(29)
ذكريات


أعدت ترتيب الكتب وأنا أعدل من وضع نظارتى الطبية على عينى .. لابد من تغيير تلك النظارة .. أن نظرى يضعف باستمرار .. جلست على المقعد وأنا أغمض عينى لأريحها من هذا الجهد اليومى .. لقد استهلكت الكتب نور عينى لكنى سعيدة على أى حال

تسألون عنى .. أنا بخير والحمد لله .. هدأت العواصف وسكنت الرياح وأفرغت السحب دموعها وما عاد بحر الحياة يلقى إلىّ بمفاجآته .. ولم يعد هناك شىء قادر على إثارة دهشتى .. الأيام تمضى بهدوء وقد ترفقت بى أخيرا


ماذا؟ .. هل تمزحون؟ .. أى عريس! .. لقد نسيت تلك الكلمة منذ زمن .. ولم يعد شىء منها يثير فىّ أى انفعالات .. وقد نسيها كل من حولى .. فبعدما تتخطى الأربعين لن يكون هناك ما يثير ضيقك بأى حال .. هناك سلام مع نفسك لم تعهده من قبل .. وقد أيقن الجميع أن لا شىء يدعو للدهشة فى ذلك .. وكفت الألسنة عن السؤال وغضت العيون عن النظرات التى لا مجال لها الآن .. لقد بت أمر واقع اعترف به الجميع وقبلوه فى صمت

وقد كففت منذ زمن عن الرثاء لحالى .. ولم أعد أضبط نفسى تحلم من جديد .. فقد نسيت الأحلام منذ زمن بعيد .. تحديدا منذ رحيل خالد
ماذا؟ .. ألم أخبركم بما حدث حقا .. أعذرونى لم أعد أتذكر بعض الأشياء .. لكنكم أعدتمونى لذكريات بعيدة .. فقط دعوا قلبى يطلق تلك التنهيدة لتريحه من ألم العودة إلى تلك اللحظة التى ألقت بى من سماء الحلم السابعة ودفنتنى تحت آخر طبقات أرض الواقع المظلم

*****

عاد خالد إلى المكتبة وأنفاسه تتلاحق وابتسامته لا تغيب عن وجهه .. وبعد أن هدأ قليلا .. نظر لى بامتنان شديد وهو يقول
- مش عارف أقولك إيه يا أحلام .. أنتِ رجعتيلى الحياة من تانى

قلت وقلبى يدوى كالطبل
- أنت بتبالغ
- دى الحقيقة

قلت بتوجس لا أدرى سببه
- أنا .. أنا مش فاهمة
قال بسعادة
- هافهمك

وبدأ يتكلم .. وبدأ كل شىء فى التهاوى من حولى .. وبدأت الأحلام تتلاشى .. والألوان تمتزج معا لتخرج لونا قاتما كئيبا يليق بمأساتى .. لا أدرى كيف أمكننى الصمود أمامه وكلماته تمزقنى وتنزع الهواء عن رئتى وتمنحنى حكما بالطرد من حياته وربما من الحياة ذاتها

كان يتكلم بحماس عن حياته التى تركها خلفه فى تلك البلاد البعيدة واضطر إلى القدوم إلى هنا ليرعى حلم عمه الراحل وفاء منه لروحه .. وقال لى أن كان يشعر بالطمأنينة لكونى أنا أيضا أرعى هذا الحلم كأفضل مما تمنى وقد بدأ يرتب ليعود مرة أخرى إلى هناك تاركا لى تلك الأمانة وواثقا من كونى سأحفظها بقلبى .. وأن القلق الذى اعتراه حين علم بقدوم العريس - الذى ربما كان سيشغلنى عن العمل بالمكتبة - كان مبعثه الخوف على تلك الأمانة التى قد تعود ليديه وتكبله من جديد عن العودة لحياته التى رسمها لنفسه والتى أيضا لا مكان لى فيها كما خيل لى حلمى المستحيل

منعت بحزم تلك الدموع التى تحتشد فى عينى وتنذر بالاندفاع كالشلال لتضعنى فى موقف أعجز عن تفسيره .. ولا أدرى من أين جئت بتلك القوة لأتماسك وأنا أرد عليه وأطمئنه أن ثقته فى محلها وأن هذا هو حلمى أنا أيضا كما كان حلم لعم حامد طيلة حياته وأخبرته أيضا أننى لن أتخلى عن تلك المكتبة طالما بقيت على وجه الحياة

يعلم الله كم احتجت من جهد لأرسم تلك الابتسامة الواهنة فوق ذلك الغلاف الخارجى الذى يرسم ملامحى بينما تفتت كل كيانى لذرات .. لم يعد هناك ما يربطها ببعضها ببعض وتهدد بالانهيار فى أية لحظة .. وحمدت الله أنه غادرنى بعدها وهو يتعثر فى فرحته

لم يغب عنى أن تلك الفرحة لا تقترن سوى بأحد ما قد نُقشت صورته على جدران قلبه .. أحد ما قادر على منحه تلك السعادة اللامتناهية لشعوره أنه سيعود إليه قريبا .. أحد ما ينتظره فى تلك البلاد البعيدة وقد ذهب ركضا ليطمئنه أن اللقاء قريب .. أحد ما سواى

كم كنت ساذجة يا أحلام .. لقد ألقيت كل مشاعركِ فوق قلب ليس لكِ ولن يكون .. أفرغتِ كل أحلامكِ وعقديتها كطوق ياسمين ونثرتيه حوله فداسته خطواته التى تشتاق الرحيل .. ماذا فعلتِ بنفسكِ أيتها الحمقاء .. كان لكِ فارس أحلام جاء متأخرا .. ولم تكونى له سوى تلك العانس المخلصة التى تعشق الكتب وترعاها كأفضل ما يكون

أى مرارة تلك التى تجرعتها .. أى كوابيس سوداء طاردتنى ليال لا أعرف عددها .. أى عذاب قرر كونى مهمته الوحيدة فى الحياة .. أى هواجس تملكتنى وأنا أحلم كل لحظة بأنه سيعود لى بعدما يشعر بفراغ حياته من بعدى مثلما أشعر أنا بغيابه .. الفراغ ذلك الكائن الذى يلازمنى بعد رحيله ويذكرنى دوما أن لا أحد يستحق مكانه قط رغم كل شىء

أنا لا أحقد عليه .. لا أتهمه بشىء .. ليس هو السبب فيما عانيته .. ليس هو من نسج حلما تلو الآخر من خيوط عنكبوت واهية .. ليس هو من بنى قصرا من رمال الوهم هدمته موجة حقيقة لم يشأ أن يراها رغم قربها منه .. ليس هو من تخيل أن أحلامه ستتحقق لمجرد أنه أراد ذلك بشدة .. أنا لا ألوم سوى نفسى .. هو لم يعدنى بشىء فلم أطالبه أن يفى بوعد لم يقطعه

وإن كنتم ترون فى موقفه بعض الأنانية .. فقد كنت أنا كذلك أنانية بدورى حين أردته لى دون أن أفكر فى مشاعره هو تجاهى أو مشاعر من ملكت قلبه قبل أن ألقاه

لقد أعمانى الوهم عن حقائق كثيرة كان علىّ التفكير بها قبل أن ألقى بكل مشاعرى نحوه كغريق يتعلق بطوق نجاة

لا ألومك يا خالد .. لترحل لعالمك .. ولتعش حياتك .. ولتسعد كثيرا .. فسعادتك تكفينى .. ولا تحمل هم هذا الجرح .. الزمن كفيل بمداواته

رحل خالد وظللت سنوات وسنوات أشغل نفسى بالعمل وأغرقها وسط الكتب كما فعل عم حامد .. كان يعوض بها حرمانه من الأبناء وكذلك أنا فقد اكتفيت بها وعوضتنى عن حياة لم يشأ الله أن يهبنى إياها .. كنت أضع إيراد المكتبة الشهرى فى حساب خالد فى البنك بعد خصم مرتبى الذى تضاعف من أثر امتنان خالد لى والذى وفر لى حياة كريمة

وعادت الحياة على وتيرة واحدة يقطعها من حين لآخر اتصال من تلك البلاد البعيدة يحمل نبرات عزيزة على قلبى .. تثير فىّ بعض الألم وبعض الفرح لدقائق معدودة .. وقد بدأ تأثيرها يخفت تدريجيا مع السنوات .. ولم يعد صداها يدوى فى أرجاء روحى الفارغة طويلا مؤلما كما كان من قبل




رد مع اقتباس