منتديات هبوب الجنوب - عرض مشاركة واحدة - لبيك اللهم لبيك
عرض مشاركة واحدة
قديم 17-07-2021   #75



 
 عضويتي » 1
 جيت فيذا » Mar 2009
 آخر حضور » منذ يوم مضى (03:48 AM)
آبدآعاتي » 55,624
 حاليآ في » منتديات هبوب الجنوب
دولتى الحبيبه »  Saudi Arabia
جنسي  »
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي ♡
آلعمر  » 25 سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط ♡
 التقييم » الوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond repute
اشجع hilal
مَزآجِي  »  اتقهوى
sms ~
يقولون من يرفع راسه فوق تنكسر رقبته
وأنا أبي أرفع رآسي فوق وأشوف منهو كفو يكسرهـ
تراني أنتظركـ ..
mms ~
MMS ~
 آوسِمتي »
اوسمتي
وسام وسام   مجموع الاوسمة: 2

 

الوافي غير متواجد حالياً

افتراضي



المبحث الأوَّل: ذبحُ الهَدْي

محتويات الصفحة:

- المطلب الأوَّل: جنس الهدي وما يُجْزِئُ مِنَه.- الفرع الأول: جِنسُ الهَدْيِ.- الفرع الثاني: ما يجزئ من الهدي.- الفرع الثالث: السِّنُّ التي تُجزِئ في الهَديِ.- الفرع الرابع: أيُّ الهَديِ أفضلُ؟.- المطلب الثَّاني: حُكْمُ الاشتراكِ في الهَدْيِ.- الفرع الأول: الاشتراك في الإبل والبقر.- الفرع الثاني: الاشتراكُ في الشَّاةِ.- الفرعٌ الثالث: حُكْمُ التصَدُّقِ بقيمةِ الهَدْيِ.- المطلب الثالث: سَوْقُ الهَدْي وتَقليده.- الفرع الأول: سَوْقُ الهَدْي.- الفرع الثاني: تَقليدُ الهَديِ (43) .- المطلب الرابع: زَمَنُ الذَّبحِ.- الفرع الأول: أوَّلُ زَمَنِ الذَّبحِ.- الفرع الثاني: آخِرُ زَمَنِ الذَّبْحِ.- فرعٌ: .- المطلب الخامس: مكانُ الذَّبْحِ.- المطلب السادس: التطوُّعُ في الهَدْيِ.- المطلب السابع: الأكلُ مِنَ الهَدْيِ.- الفرع الأوَّل: الأكْلُ مِنْ هَدْيِ التطوُّعِ.- الفرع الثَّاني: الأكْلُ مِنْ هَدْيِ التمتُّعِ والقِرانِ.- الفرع الثَّالث: الأكلُ مِنَ الهَدْيِ الذي وجَبَ لتَرْكِ نُسُكٍ أو تأخيرِه، أو كان بسبَبِ فَسْخِ النُّسُكِ.- الفرع الرابع: الأكْلُ مِنْ هَدْيِ الكفَّاراتِ.- المطلب الثامن: مَنْ لم يقْدِرْ على الهَدْيِ.- الفرع الأوَّل: حُكْمُ مَن لم يقدِرْ على الهَدْيِ.- الفرع الثَّاني: وقْتُ صيامِ الأيَّامِ الثَلاثةِ في الحَجِّ لِمَنْ لم يَجِدِ الهَدْيَ.- مسألةٌ: .- الفرع الثَّالث: صيامُ أيَّامِ التَّشريقِ لِمَن لم يجِدِ الهَدْيَ.- الفرع الرابع: حُكْمُ مَن فاتَه الصِّيامُ في الحَجِّ.- الفرع الخامس: ما يلْزَمُ مَن أخَّرَ صيامَ الأيامِ الثَّلاثةِ التي في الحَجِّ حتى انتهى حَجُّه.- الفرع السادس: حُكْمُ صيامِ الأيَّامِ السبْعةِ بمكَّةَ بعد فراغِه مِنَ الحَجِّ.- الفرع السابع: حُكْمُ التَّتابُعِ في صيامِ هذه الأيَّامِ .

المطلب الأوَّل: جنس الهدي وما يُجْزِئُ مِنَه

الفرع الأول: جِنسُ الهَدْيِ

يكونُ الهَديُ من: الإبلِ، والبَقرِ، والضَّأنِ، والمَعْزِ.

الدليل من الإجماع:

نقلَ الإجماعَ على ذلك الجصاص (1) ، وابن حزم (2) ، وابن عبد البر (3) ، وابن رشد (4) .

الفرع الثاني: ما يجزئ من الهدي

الهَدْيُ شاةٌ، أو سُبْعُ بَدَنَةٍ، أو سُبْعُ بَقَرَةٍ، فإنْ نَحَرَ بَدَنةً، أو ذَبَحَ بقرةً، فقد زاد خيرًا، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة (5) ، والشَّافعيَّة (6) ، والحَنابِلة (7) ، وهو قولُ داودَ الظاهريِّ (8) وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ (9) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتاب

قولُه سبحانه وتعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ اسمَ الهَدْيِ يقعُ على الشَّاةِ, والبَقَرةِ, والبَدَنةِ (10) .

ثانيًا: مِنَ الآثار

عن أبي جَمْرةَ قال: ((سألتُ ابنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما عن المُتعةِ، فأمَرَني بها، وسَأَلْتُه عن الهَدْيِ، فقال: فيها جَزُورٌ, أو بَقَرةٌ, أو شاةٌ, أو شِرْكٌ في دَمٍ)) (11) .

الفرع الثالث: السِّنُّ التي تُجزِئ في الهَديِ

يُجزِئُ في الهَدْيِ الثَّنيُّ (12) فما فوقَه.

الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:

نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُغلِّس (13) ، وابنُ حزْمٍ (14) ، وابنُ عبد البر (15) ، وابنُ رُشْد (16) .

الفرع الرابع: أيُّ الهَديِ أفضلُ؟

الإبلُ أفضلُ مِن البَقرِ، والبقرُ أفضلُ من الغنمِ في الهَدايا.

الدليل من الإجماع:

نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن عبد البر (17) ، وابن رشد (18) ، والنووي (19) ، والمرداوي (20) .

المطلب الثَّاني: حُكْمُ الاشتراكِ في الهَدْيِ

الفرع الأول: الاشتراك في الإبل والبقر

يجوزُ الاشتراكُ في الهَدْيِ في الإبِلِ والبَقَرِ إلى حَدِّ سبعةِ أشْخاصٍ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة (21) ، والشَّافعيَّة (22) ، والحَنابِلة (23) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ

قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ (مِن) للتَّبعيضِ، فجاز الاشتراكُ في الهَدْيِ بظاهِرِ الآيةِ (24) .

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((نَحَرْنا مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الحُدَيبِيَةِ البَدَنةَ عن سَبْعةٍ, والبَقَرةَ عن سَبْعةٍ)) (25) .

2- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((فنَحَرَ عليه السلامُ ثلاثًا وستينَ, فأعطى عليًّا فنَحَرَ ما غَبَر, وأشرَكَه في هَدْيِه)) (26) .

3- عن أبي جَمْرة قال: ((سألتُ ابنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن المُتعةِ فأمَرَني بها، وسأَلْتُه عن الهَدْيِ، فقال: فيها جَزورٌ, أو بقَرَةٌ, أو شاةٌ, أو شِرْكٌ في دَمٍ)) (27) .

ثالثًا: أنَّه وَرَدَ ذلك عن طائفةٍ كبيرةٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ منهم: عليٌّ، وابن مسعود، وعائشة، وأنس، وإليه رجع ابنُ عمر- رَضِيَ اللهُ عنهم أجمعينَ (28) .

رابعًا: القياسُ على اشتراكِ أهلِ البَيتِ في الأضْحِيَّةِ (29) .

الفرع الثاني: الاشتراكُ في الشَّاةِ

لا يجوزُ الاشتراكُ في الشَّاةِ لِمَن لزِمَه دمٌ.

الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:

نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن عبد البر (30) ، وأبو العبَّاس القُرْطبي (31) ، والنوويُّ (32) .

الفرعٌ الثالث: حُكْمُ التصَدُّقِ بقيمةِ الهَدْيِ

لا يجوزُ أن يُستعاضَ عن ذَبْحِ الهَدْي بالتصدُّقِ بِقِيمَتِه، وهو قرارُ المَجْمَعِ الفِقهيِّ (33) ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ (34) ، وهو قولُ ابنِ باز (35) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتاب

قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ اللهَ جلَّ وعلا أوجَبَ على المتمَتِّعِ الهَدْيُ في حالِ القُدرَةِ عليه، فإذا لم يَجِدْ هَدْيًا أو ثمَنَه، فإنَّه ينتقِلُ إلى الصِّيامِ، ولم يجعَلِ اللهُ واسطةً بين الهَدْيِ والصِّيامِ، ولا بدلًا عن الصِّيامِ عند العَجْزِ عنه (36) .

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((ثُمَّ لْيُهِلَّ بالحَجِّ ويُهْدِي, فمَن لم يجِدْ فلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحجِّ، وسَبعةً إذا رَجَعَ إلى أهلِه)) (37) .

ثالثًا: أنَّ المقصودَ مِن هذه العبادةِ إراقةُ الدَّمِ، وأمَّا اللُّحومُ فهي مقصودةٌ بالقَصْدِ الثَّاني؛ قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج: 37]، وفي الاكتفاءِ بالتصدُّقِ بالثَّمَنِ دون إراقةِ الدَّمِ إضاعةٌ للقَصْدِ الأوَّلِ (38) .

رابعًا: أنَّ النُّسُكَ عبادةٌ مبنيَّةٌ على التَّوقيتِ، فلا يجوز العُدولُ عن المَشروعِ إلَّا بدليلٍ شَرعيٍّ موجِبٍ للعُدولِ عنه, وكلُّ تَشريعٍ مَبنيٍّ على التوقيتِ فإنَّه لا يدخُلُه الاجتهادُ (39) .

المطلب الثالث: سَوْقُ الهَدْي وتَقليده

الفرع الأول: سَوْقُ الهَدْي

يُستحبُّ سوقُ الهَديِ، والأفضلُ أن يَسوقَه مِن الحِلِّ.

الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:

نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن تيميَّة (40) ، والعراقيُّ (41) ، والمرداويُّ (42) .

الفرع الثاني: تَقليدُ الهَديِ (43)

يُستحبُّ تقليدُ الإبلِ والبَقرِ.

الدليل من الإجماع:

نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن عبد البر (44) ، وابن بطال (45) ، وابن رشد (46) ، والنووي (47) ، والعراقي (48) .

المطلب الرابع: زَمَنُ الذَّبحِ

الفرع الأول: أوَّلُ زَمَنِ الذَّبحِ

يبتدِئُ وَقْتُ ذَبحِ الهَدْيِ يومَ النَّحْرِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة (49) ، والمالِكيَّة (50) ، والحَنابِلة (51) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتاب

1- قال تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّه جاء في الآيةِ الكريمةِ أنَّ الحَلْقَ لا يكونُ إلَّا بعد أن يبلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه، ومعلومٌ أنَّ الحَلقَ لا يكونُ إلَّا يومَ النَّحرِ (52) .

2- قولُه تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج: 28-29].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ قَضاءَ التَّفَثِ يختَصُّ بيومِ النَّحرِ، وقد جاء مرتَّبًا على النَّحرِ والأكْلِ منه (53) .

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

1- عن حَفصةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: ((يا رسولَ اللهِ، ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت مِن عُمْرَتِك؟ فقال: إنِّي لبَّدْتُ رأسِي، وقلَّدْتُ هَدْيي، فلا أحِلُّ حتى أنحَرَ)) (54) .

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّه علَّقَ الحِلَّ على النَّحر، ومعلومٌ أنَّ الحِلَّ لا يكونُ إلَّا يومَ النَّحرِ (55) :

2- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه قَدِموا في عَشْرِ ذي الحِجَّة، وقد بَقِيَتِ الغَنَمُ والإبلُ التي معهم موقوفةً حتى جاء يومُ النَّحرِ، فلو كان ذبحُها جائزًا قبل ذلك لبادَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه إليه في الأيَّامِ الأربعةِ التي أقاموها قبل خُرُوجِهم إلى عَرَفاتٍ؛ لأنَّ النَّاسَ بحاجةٍ إلى اللُّحومِ في ذلك الوقتِ، فلمَّا لم يفعَلْ ذلك دلَّ ذلك على عَدَمِ الإجزاءِ، وأنَّ الذي ذبحَ قبلَ يومِ النَّحرِ قد خالَفَ السنَّة، وأتى بشرعٍ جديدٍ؛ فلا يُجْزِئُ؛ كمن صلَّى أو صام قبل الوقتِ (56) .

3- أنَّه لو كان ذبحُ الهَدْيِ جائزًا قبل يوم العيدِ؛ لفَعَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينما أمَرَ أصحابَه أن يَحِلُّوا مِنَ العُمْرةِ مَنْ لم يكن معه هَدْيٌ؛ لأجلِ أن يطمئِنَّ أصحابُه في التحلُّلِ مِنَ العُمْرةِ، فدلَّ امتناعُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن ذَبْحِ هَدْيِه قبل يوم النَّحرِ مع دعاءِ الحاجةِ إليه على أنَّه لا يجوزُ (57) .

ثالثًا: أنَّه دمُ نُسُكٍ، فلا يجوزُ قبل يومِ النَّحرِ، كالأضْحِيَّة (58) .

الفرع الثاني: آخِرُ زَمَنِ الذَّبْحِ

اختلفَ أهلُ العِلمِ في آخِرِ زَمَنِ الذَّبحِ على أقوال، أشهَرُها قولانِ:

القول الأوّل: أنَّ زَمَنَ الذَّبحِ يستمِرُّ إلى يومينِ بعد يوم النَّحرِ، فيكون مجموعُ أيَّامِ النَّحرِ ثلاثةَ أيَّامٍ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة (59) ، والمالِكيَّة (60) ، والحَنابِلة (61) ، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ (62) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتاب

قَولُه تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ الأيَّامَ المعلوماتِ هي يومُ النَّحرِ ويومانِ بعده، ويدلُّ على ذلك أنَّ لفظ: (المعلومات) جمعُ قلَّةٍ، والمتيقَّنُ منه الثلاثةُ، وما بعد الثَّلاثةِ غيرُ متيقَّنٍ، فلا يُعمَل به (63) .

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى أن تُؤكَلَ لُحومُ الأضاحيِّ بعدَ ثلاثٍ)) (64) .

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّه أباح الأكَلَ منها في أيَّامِ الذَّبحِ، ولو كان اليومُ الرَّابِعُ منها لكان قد حَرَّمَ على من ذَبَحَ في ذلك اليومِ أن يأكُلَ مِن أضْحِيَّتِه، وليس هناك فرقٌ بين الأضْحِيَّة والهَدْيِ بالنسبةِ لزَمَن الذَّبح (65) .

ثالثًا: أنَّه وَرَدَ عن الصحابة رَضِيَ اللهُ عنهم تخصيصُه بالعيدِ ويومينِ بعده، منهم عمر، وعلي، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس، وابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهم، ولا يُعرَف لهم مِنَ الصَّحابةِ مخالِفٌ, ومثلُ هذا لا يُقالُ بالرأي (66) .

رابعًا: أنَّه قد ثبَتَ الفَرْقُ بين أيَّامِ النَّحْرِ وأيَّامِ التَّشريقِ؛ ولو كانت أيامُ النَّحرِ أيَّامِ التَّشريقِ لَمَا كان بينهما فرقٌ، وكان ذِكْرُ أحَدِ العَدَدينِ ينوبُ عن الآخَرِ (67) .

القول الثاني: أنَّ وَقتَ الذَّبحِ ينتهي بغُروبِ شَمْسِ اليومِ الثَّالثِ مِن أيَّامِ التَّشريقِ، وهذا مذهَبُ الشَّافعيِّ (68) ، وقولٌ للحَنابِلة (69) ، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ (70) ، واختارَه ابنُ المُنْذِر (71) ، وابنُ تيميَّة (72) ، وابنُ باز (73) ، وابنُ عُثيمين (74) ، وبه صدَرَ قرارُ هيئةِ كبارِ العُلَماءِ (75) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتاب

قولُه تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28].

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

1- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نحَرَ هَدْيَه يومَ النَّحْرِ (76) .

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّه لَمَّا لم يَحْظُر على النَّاسِ أن ينحَرُوا بعدَ يومِ النَّحر بيومٍ أو يومينِ؛ لم نَجِدِ اليومَ الثَّالثَ مفارِقًا لليومينِ قَبْلَه؛ لأنَّه يُنْسَكُ فيه ويُرمَى، كما يُنْسَكُ ويُرمَى فيهما (77) .

2- عن جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((كلُّ مِنًى مَنحَرٌ، وكلُّ أيَّامِ التَّشريقِ ذَبْحٌ)) (78) .

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ الحديثَ نَصٌّ في الدَّلالةِ على أنَّ كُلَّ أيَّامِ مِنًى أيامُ نَحرٍ (79) .

ثالثًا: أنَّ الثَّلاثةَ أيَّامٍ تختَصُّ بكونها أيامَ مِنًى، وأيامَ الرَّمْيِ، وأيَّامَ التَّشريقِ، وأيَّامَ تَكبيرٍ وإفطارٍ، ويحرُمُ صيامُها؛ فهى إخْوةٌ في هذه الأحكامِ، فكيف تَفْتَرِقُ في جوازِ الذَّبحِ بغيرِ نَصٍّ ولا إجماعٍ؟! (80) .

فرعٌ:

السنَّة في وقتِ النَّحرِ أن يكون يومَ العيدِ بعد أن يُفْرَغَ مِنَ الرَّمْيِ وقبل الحَلْقِ أو التَّقْصيرِ.

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ

عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى سَبْعَ حَصَياتٍ مِن بطنِ الوادي، ثم انصَرَفَ إلى المَنْحَرِ فنَحَرَ)) (81) .

ثانيًا: مِنَ الإجماعِ

نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عَبْدِ البَرِّ (82) وابنُ رُشْدٍ (83) ، وابنُ حَجَرٍ (84) .

المطلب الخامس: مكانُ الذَّبْحِ

يجب أن يكونَ ذَبْحُ الهَدْيِ في الحَرَمِ، ولا يختصُّ بمِنًى، وإن كان الأفضَلُ أن يكون بمِنًى، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة (85) ، والشَّافعيَّة (86) ، والحَنابِلة (87) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتاب

1- قال تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ مَحِلَّ الهَدْيِ الحَرَمُ عند القُدرةِ على إيصالِه (88) .

2- قال اللهُ تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 33].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ النصَّ جاء بأنَّ شعائِرَ اللهِ تعالى مَحِلُّها إلى البيتِ العَتيقِ، وهذا عامٌّ في الهدايا (89) .

3- قال تعالى في جزاءِ الصَّيدِ: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّه لو جاز ذَبحُه في غيرِ الحَرَمِ لم يكُنْ لذِكْرِ بلوغِه الكعبةَ معنًى، وهذا الحكمُ وإن كان في كفَّارةِ الصَّيدِ إلَّا أنَّه صار أصْلًا في دماءِ النُّسُكِ (90) .

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((نَحَرْتُ ها هنا، ومِنًى كلُّها مَنْحَرٌ)) (91) .

وَجْهُ الدَّلالةِ:

يدلُّ على أنَّه حيثما نُحِرَتِ البُدُنُ, والهَدايا- مِن فجاجِ مكَّةَ ومِنًى والحَرَمِ كُلِّه- فقد أصاب النَّاحِرُ (92) .

2- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نحَرَ هَدْيَه في مِنًى، وقال: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم)) (93) .

ثالثًا: أنَّ الهَدْي اسمٌ لِمَا يُهدَى إلى مكانِ الهدايا، ومكانُ الهدايا الحَرَمُ، وإضافةُ الهدايا إلى الحرمِ ثابتةٌ بالإجماعِ (94) .

رابعًا: أنَّ هذا دمٌ يجبُ للنُّسُكِ، فوجب أن يكونَ في مكانِه، وهو الحَرَمُ (95) .

المطلب السادس: التطوُّعُ في الهَدْيِ

يُسَنُّ التطوُّعُ بالهَدْيِ للمُفْرِد والمتمَتِّع والقارِن (96) وللحاجِّ ولغيرِ الحاجِّ.

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ

1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما في حديثِه الطَّويلِ في صِفَةِ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثم انصَرَفَ إلى المنحَرِ، فنَحَرَ ثلاثًا وستِّينَ بِيَدِه، ثم أعطى عليًّا، فنحر ما غَبَر، وأشْرَكَه في هَدْيِه، ثم أمَرَ مِن كُلِّ بدَنةٍ ببَضْعَةٍ، فجُعِلَتْ في قِدْرٍ، فطُبِخَتْ، فأكَلا مِن لَحْمِها وشَرِبَا مِن مَرَقِها)) (97) .

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّه معلومٌ أنَّ ما زاد على الواحِدةِ منها تطوُّعٌ (98) .

2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((أهْدَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّةً غَنمًا)) (99) .

3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((فَتَلْتُ قلائِدَ هَدْيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ أشْعَرَها وقَلَّدَها، أو قَلَّدْتُها، ثم بعَثَ بها إلى البيتِ، وأقامَ بالمدينةِ، فما حَرُمَ عليه شيءٌ كان له حِلٌّ)) (100) .

ثانيًا: مِنَ الإجماعِ

نقَلَ القرافيُّ الإجماعَ على ذلك (101) .

المطلب السابع: الأكلُ مِنَ الهَدْيِ

الفرع الأوَّل: الأكْلُ مِنْ هَدْيِ التطوُّعِ

يُسَنُّ لِمَن أهدى هدْيًا تطوُّعًا أن يأكُلَ منه إذا بلغ مَحِلَّه في الحَرَمِ.

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتاب

1- قال اللهُ عزَّ وجلَّ: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 27].

2- وقال عزَّ وجلَّ: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا [الحج: 36].

وَجْهُ الدَّلالة مِنَ الآيتينِ:

أنَّ فيهما الأمْرَ بالأكلِ مِنَ الهَدْيِ، وأقلُّ أحوالِ الأمرِ الاستحبابُ (102) .

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما في حديثِه الطَّويلِ في صِفةِ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثمَّ انصَرَف إلى المَنْحَر، فنَحَر ثلاثًا وسِتِّينَ بِيَدِه، ثم أعطى عليًّا، فنَحَر ما غَبَرَ، وأشْرَكَه في هَدْيِه، ثم أمَرَ مِن كُلِّ بَدَنةٍ ببَضْعةٍ، فجُعِلَت في قِدْرٍ، فطُبِخَتْ، فأكَلا مِن لَحْمِها وشَرِبا مِنْ مَرَقِها)) (103) .

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّه معلومٌ أنَّ ما زاد على الواحِدةِ منها تطوُّعٌ، وقد أكل منها وشَرِبَ مِن مَرَقِها جميعًا (104) .

2- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كنَّا لا نأكُلُ مِن لحوم بُدُنِنا فوق ثلاث منى فرَخَّصَ لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: كُلُوا وتزَوَّدوا، فأكَلْنا وتَزَوَّدْنا)) (105) .

ثالثًا: مِنَ الإجماعِ

نقلَ الإجماعَ على جوازِ الأكْلِ مِن هَدْيِ التطوُّعِ: النوويُّ (106) ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ (107) ، وابنُ حَجَرٍ (108) ، والشنقيطيُّ (109) .

رابعًا: أنَّه دمُ نُسُكٍ، ولا يتعَيَّن صَرْفُه إلى الفقراءِ، والقاعدةُ أنَّ ما لم يجِبْ صَرْفُه على الفُقَراءِ جاز الأكلُ منه (110) .

الفرع الثَّاني: الأكْلُ مِنْ هَدْيِ التمتُّعِ والقِرانِ

يُستحَبُّ الأكلُ مِنْ هَدْيِ التمَتُّعِ والقِرانِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة (111) ، والمالِكيَّة (112) ، والحَنابِلة (113) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكتاب

قال اللهُ عزَّ وجلَّ: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 28].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّه سبحانه أمَرَ بالأكلِ مِنَ الهَدْيِ، فعَمَّ ولم يخُصَّ واجبًا مِن تطوُّعٍ، وهي مِن شعائِرِ اللهِ، فلا يجبُ أن يُمتَنَع مِن أكْلِ شيءٍ منها إلَّا بدليلٍ لا مُعارِضَ له أو بإجماعٍ (114) .

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((فدُخِلَ علينا يومَ النَّحرِ بلَحْمِ بَقَرٍ، فقلتُ: ما هذا؟ فقيل: ذَبَحَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أزواجِه)) (115) .

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ أزواجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَبَحَ عنهُنَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَقرًا، ودُخِلَ عليهِنَّ بلَحْمِه وهنَّ متمَتِّعاتٌ، وعائشةُ منهُنَّ قارِنَةٌ، وقد أكَلْنَ جميعًا مِمَّا ذُبِحَ عَنهُنَّ في تمتُّعِهِنَّ وقرانهن بأمْرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو نصٌّ صحيحٌ صريحٌ في جوازِ الأكلِ مِنْ هَدْيِ التمتُّعِ والقِرانِ (116) .

ثالثًا: أنَّه دمُ نُسُكٍ وشُكْرانٍ، وسَبَبُه غيرُ محظورٍ، ولم يُسَمَّ للمساكينِ، ولا مَدْخَلَ للإطعامِ فيه، فأشبَهَ هَدْيَ التطوُّعِ (117) .

الفرع الثَّالث: الأكلُ مِنَ الهَدْيِ الذي وجَبَ لتَرْكِ نُسُكٍ أو تأخيرِه، أو كان بسبَبِ فَسْخِ النُّسُكِ

لا يجوز الأكلُ مِنَ الهَدْيِ الذي وجب لتَرْكِ نُسُكٍ أو تأخيرٍ، أو كان بسبَبِ فَسْخِ النُّسُكِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة (118) ، والشَّافعيَّة (119) ، والحَنابِلة (120) . وذلك لأنَّه وقع الإجماعُ على أنَّ ما ألزَمَه اللهُ من ذلك فإنَّما ألزَمَه لغَيرِه، فغيرُ جائزٍ له أكْلُ ما عليه أن يتصَدَّقَ به, كما لو لَزِمَتْه زكاةٌ في مالِه لم يكُنْ له أن يأكُلَ منها, بل كان عليه أن يُعْطِيَها أهلَها الذين جَعَلَها اللهُ لهم (121) .

الفرع الرابع: الأكْلُ مِنْ هَدْيِ الكفَّاراتِ

لا يجوز الأكلُ مِن هَدْيِ الكفَّاراتِ الذي وجب لفعلِ محظورٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة (122) ، والمالِكيَّة (123) ، والشَّافعيَّة (124) ، والحَنابِلة (125) ، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ (126) ؛ وذلك لأنَّها عِوَضٌ عنِ الترَفُّه، فالجمْعُ بين الأكلِ منها والتَّرَفُّه، كالجَمْعِ بين العِوَضِ والمُعَوَّضِ (127) .

المطلب الثامن: مَنْ لم يقْدِرْ على الهَدْيِ

الفرع الأوَّل: حُكْمُ مَن لم يقدِرْ على الهَدْيِ

إذا لم يقدِرِ المتمَتِّعُ والقارِنُ على الهَدْيِ بأنْ لم يجِدْ هَدْيًا في السُّوقِ، أو وَجَدَه لكن لم يجِدْ معه ثَمَنَه- فإنِّه يصومُ عَشَرَةَ أيَّامٍ: ثلاثةً في الحَجِّ، وسَبْعةً إذا رَجَعَ (128) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتاب

قَولُه تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة: 196].

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((تمتَّعَ النَّاسُ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالعُمرةِ إلى الحجِّ، فكان من النَّاسِ من أهدَى فساقَ الهَدْيَ، ومنهم من لم يَهْدِ، فلمَّا قَدِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مكَّةَ، قال للنَّاسِ: من كان منكم أهدى، فإنَّه لا يَحِلُّ لشَيءٍ حَرُمَ منه حتى يقضِيَ حَجَّه، ومن لم يكُن منكم أهدى فلْيَطُفْ بالبيتِ، وبالصَّفَا والمروةِ، ولْيُقَصِّرْ، وليَحْلِلْ، ثمَّ لْيُهِلَّ بالحجِّ، فمن لم يجِدْ هدْيًا فلْيصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحجِّ وسبعةً إذا رجَعَ إلى أهلِه)) (129) .

ثالثًا: مِنَ الإجماعِ

نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر (130) وابنُ قُدامة (131) .

الفرع الثَّاني: وقْتُ صيامِ الأيَّامِ الثَلاثةِ في الحَجِّ لِمَنْ لم يَجِدِ الهَدْيَ

مَن لم يجِدِ الهَدْيَ فإنَّه يبتدئُ الصِّيامَ مِن زَمَنِ إحرامِه، سواءٌ كان بإحرامِه بالعُمْرةِ إذا كان متمتِّعًا، أو كان بإحرامِه بالحَجِّ والعُمْرةِ إذا كان قارِنًا، وهذا مذهَبُ الحَنَفيَّة (132) ، والحَنابِلة (133) ، واختارَه ابنُ عُثيمين (134) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتاب

قال الله تعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة: 196].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّه جَعَلَ الحجَّ ظرفًا للصَّومِ، وأفعالُ الحَجِّ لا يُصامُ فيها، وإنَّما يُصامُ في أشْهُرِها أو وَقْتِها، فعَرَفْنا أنَّ المرادَ به وَقْتُ الحَجِّ، كما قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ (135) [البقرة: 197].

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((دَخَلَتِ العُمْرةُ في الحَجِّ)) (136) .

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّه يدلُّ على جوازِ الصِّيامِ مِنَ الإحرامِ بالعُمْرةِ؛ وذلك لأنَّ العُمْرةَ دَخَلَتْ في الحجِّ إلى يومِ القيامةِ (137) .

ثالثًا: أنَّه لا بدَّ مِنَ الحُكْمِ بجوازِ الصَّومِ بعد الإحرامِ بالعُمْرةِ، وقبل الشُّروعِ في الحجِّ؛ إذ لو كان لا يجوزُ إلَّا بعد إحرامِه بالحَجِّ لَمَا أمكَنَه صيامُ الثَّلاثةِ أيَّامٍ؛ لأنَّه إنَّما يُشرَع له الإحرامُ بالحَجِّ يومَ التَّرْوِيةِ، فلا يتبقَّى له ما يَسَعُ الصِّيامَ (138) .

رابعًا: أنَّ صيامَ المتمَتِّعِ قبل إحرامِه بالحَجِّ هو من بابِ تقديمِ الواجِبِ على وقتِ وُجوبِه إذا وُجِدَ سَبَبُه، وهو جائزٌ؛ كتقديمِ الكفَّارةِ على الحِنْثِ بعد اليَمينِ (139) .

خامسًا: أنَّ إحرامَ العُمْرةِ أحَدُ إحرامَيِ التمتُّعِ، فجاز الصَّومُ بعده كإحرامِ الحَجِّ (140) .

مسألةٌ:

الأفضَلُ أن يُقَدِّمَ صيامَ الأيام الثلاثة على يومِ عَرَفة، ليكونَ يومَ عَرَفةَ مُفْطرًا، وهذا مذهَبُ الشَّافعيَّة (141) ، ورُوِيَ عن مالك (142) ، وهو قولٌ للحَنابِلة (143) ، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ (144) ، واختارَه ابنُ باز (145) ، وابنُ عُثيمين (146) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ

عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أفطَرَ بعَرَفةَ، وأرسَلَتْ إليه أمُّ الفَضْلِ بلَبَنٍ فشَرِبَ)) (147) .

ثانيًا: أنَّ الفِطْرَ في هذا اليومِ أقوى على العبادةِ، وأنشَطُ له على الذِّكْرِ والدُّعاءِ (148) .

الفرع الثَّالث: صيامُ أيَّامِ التَّشريقِ لِمَن لم يجِدِ الهَدْيَ

يجوزُ صَوْمُ أيَّامِ التَّشريقِ (149) لِمَن لم يجِدِ الهَدْيَ، ولم يكُنْ قد صامَها قبلَ يومِ النَّحرِ، وهذا مذهب المالِكيَّة (150) ، والحَنابِلة (151) ، وقولٌ للشافعيَّة (152) ،وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ (153) ، واختاره البخاريُّ (154) ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ (155) ، وابنُ حجرٍ (156) ، وابنُ باز (157) ، والألبانيُّ (158) ، وابنُ عُثيمين (159) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتاب

قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة: 196].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ عمومَ قَولِه: فِي الْحَجِّ يعمُّ ما قبلَ يومِ النَّحرِ وما بَعْدَه، فتدخُلُ أيَّامُ التَّشريقِ (160) .

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

عنِ ابنِ عُمَرَ وعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنهما قالا: ((لم يُرخَّصْ في أيَّامِ التَّشريقِ أنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَن لا يجِدُ الهَدْيَ)) (161) .

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ قولَ الصَّحابيِّ: لم يُرخَّصْ أو رُخِّصَ لنا، أو ما أشبه ذلك؛ يُعتَبَر مرفوعًا حُكمًا (162) .

ثالثًا: أنَّ صَوْمَها في أيَّامِ التَّشريقِ صَوْمٌ لها في أيَّامِ الحَجِّ؛ لأنَّ أيَّامَ التشريقِ أيَّامٌ للحَجِّ، ففيها رميُ الجَمَراتِ في الحادِيَ عَشَر والثَّاني عَشَر، وكذلك الثَّالثَ عَشَر (163) .

الفرع الرابع: حُكْمُ مَن فاتَه الصِّيامُ في الحَجِّ

مَن لم يَصُمِ ثلاثةَ الأيَّامِ في الحَجِّ؛ فإنَّه لا يَسقُطُ الصِّيامُ عنه، ويلزَمُه بعد ذلك القضاءُ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة (164) ، والشَّافعيَّة (165) ، والحَنابِلة (166) ؛ وذلك استدراكًا للواجِبِ (167) .

الفرع الخامس: ما يلْزَمُ مَن أخَّرَ صيامَ الأيامِ الثَّلاثةِ التي في الحَجِّ حتى انتهى حَجُّه

مَن أخَّرَ صيامَ الأيَّامِ الثَّلاثةِ التي في الحَجِّ حتى انتهى حجُّه، فلا تلزَمُه الفِدْيةُ، وهو مذهَبُ المالِكيَّة (168) ، والشَّافعيَّة (169) ، واختارَه ابنُ عُثيمين (170) .

وذلك للآتي:

أوَّلًا: أنَّه لَمَّا عَدِمَ الهَدْيَ صار الصِّيامُ واجبًا في حقِّه، فإذا تأخَّرَ عن أدائِه فإنَّه يُقضَى كرمضانَ (171) .

ثانيًا: أنَّ الصَّومَ بَدَلٌ عن الهَدْيِ، فلو وجَبَ الدَّمُ لاجتمَعَ البَدَلُ والمُبدَلُ معه، وهو خلافُ الأصلِ (172) .

الفرع السادس: حُكْمُ صيامِ الأيَّامِ السبْعةِ بمكَّةَ بعد فراغِه مِنَ الحَجِّ

يجوزُ صِيامُ الأيام السبعة بمكَّةَ بعد فراغِه مِنَ الحجِّ، وإن كان الأفضَلُ تأخيرَه إلى أن يرجِعَ إلى أهْلِه، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة (173) ، والمالِكيَّة (174) ، والحَنابِلة (175) ، وهو قولٌ للشافعي (176) .

الأدِلَّة:

أدِلَّة جوازِ الصِّيامِ بعد فراغِه مِنَ الحَجِّ

أولًا: مِنَ الكِتابِ

قولُه تعالى: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 197].

وَجْهُ الدَّلالةِ:

أنَّ المرادَ مِنَ الرُّجوعِ الفَراغُ مِنَ الحجِّ؛ لأنَّ الفراغَ منه سبَبُ الرُّجوعِ إلى أهلِه، فكان الأداءُ بعد حصولِ السَّبَب، فيجوزُ (177) .

ثانيًا: أنَّ كُلَّ صَومٍ لَزِمَه، وجاز في وَطَنِه، جاز قبل ذلك، كسائِرِ الفُروضِ (178) .

ثالثًا: أنَّه صومٌ وُجِدَ مِن أهْلِه بعد وجودِ سَبَبِه، فأجزَأَه، كصومِ المُسافِرِ والمريضِ (179) .

أفضليَّةُ الصِّيامِ بعد رجوعِه إلى أهلِه:

الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:

عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فمَنْ لم يجِدْ هَدْيًا فلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ، وسَبعةً إذا رجَعَ إلى أهلِه)) (180) .

الفرع السابع: حُكْمُ التَّتابُعِ في صيامِ هذه الأيَّامِ

يجوز صَوْمُ الثلاثةِ أيَّامِ في الحَجِّ، والسَّبعةِ إذا رجَعَ إلى أهلِه؛ متتابعةً ومتفَرِّقةً، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة (181) ، والمالِكيَّة (182) ، والشَّافعيَّة (183) ، والحَنابِلة (184) ، وحُكِيَ في ذلك الإجماعُ (185) .

الأدِلَّة:

أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ

قال تعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] (186) .

ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ

عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (( فمَنْ لم يَجِدْ هَدْيًا فلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ، وسبعةً إذا رجَعَ إلى أهلِه)) (187) .

وَجْهُ الدَّلالة مِنَ الدَّليلينِ:

أنَّ الشَّارِعَ أطلَقَ الصِّيامَ ولم يَشْتَرِطْ فيه التَّتابُعَ، والواجِبُ إطلاقُ ما أطلَقَه اللهُ ورسولُه (188) .




رد مع اقتباس