|
نعم كنت طفلا محظوظا ......فأنا ولدت فى زحلة ....والتي اسماها شوقى جارة الوادى
وقبل ان ابلغ العام الثالث من عمري طلعنا الي الجبل وكان فى الجبل لنا بيتا ......قطعة من جنة الله على الأرض فهو بيت تصميم مهندس (ابي)....وترتيب تربوية (أمي) ....وتنسيق ازهرى عاشق للزراعة (جدي) هذا المثلث علمني المعني الحقيقي للجمال ......جمال المكان ينبع من جمال ارواح الذين يقطنون فيه |
في زحلة مسقط رأسي ....بركة معروفة للجميع اسمها بركة الشعراء
قيل لي قبل بلوغي العام الأول من عمري ....اخذني ابي الى هناك ودعاني العب فى مائها ......وقال دعونا نعمده هنا لعله يصبح يوما شاعرا لازلت اتردد عليها كلما زرت لبنان فهي من احب المناطق الي قلبي زحلة حقيقة شعرية قائمة بحد ذاتها زحلة تغزل الشعر غزلا بما فيها من شاعرية ....فقد اصطفاها الله بالكثير كبرت انا ....وتكبر زحلة فى عيني كل يوم وكل زيارة لها وكلما عدت الى هناك اغمس اصابع يدي فى بركة الشعراء وكأني اجدد العهد والبيعة |
طفلا لم تكن للأشياء عمرا بين يدي
كنت احاول دائما ان اكتشف ما وراء الغلاف ازعجت تلك المحاولات ابي وامي وعنفوني مرارا وقال لهم جدي ......دعوه وشأنه .....انه لا يؤمن بالمظاهر |
كان سريرى بجانب الحائط .....وما يحل الظلام
واضجع فى سريري ......ارسم خطوطا على الحائط احيانا وفى الفراغ احيانا اخرى .....وارى اشياءا لا يراها غيري وان دخل ابي او امي الغرفة ....امرر يدي على ما رسمت فى الفراغ او على الحائط وكأني امسحها حتى لا يراها غيري شكوني لجدي ....قال لهم احترموا خصوصياته |
لعبت طفلا مع الطيور ......بعد ان سبحت فى بركة الشعراء
وحبوت فى احواض النعناع والريحان .....وسمعت الموسيقى بعزف جدي وابي وامي ...... وعلى نافذة غرفتي كانت الياسمينة كل يوم تلد المئات من الأقمار البيضاء وقطوف العنب تتدلى كالثريا من الدالية التى تغطى مساحة كبيرة من حديقة المنزل واري امي تقطف كل يوم الورود الجورية وتضعها على سفرة الفطار امامنا قدرى ان اصطدم بالجمال طفلا ......انام على الجمال .....واستيقظ على الأبداع تعثرت طفلا .....فوجدت نفسي فى حضن ريحانة ووقعت مرارا فى احضان الطيور .....الضيوف المقيمة فى حديقة منزلنا |
هذا الحزام من الجمال الذى احاطني طفلا استحوذ على مشاعري
وافقدني شهية اللعب مع اقراني من الأطفال هذا ترك اثره على شخصي وشخصيتي واصبحت انسانا يعشق المكان الجميل واستدعي الجمال ليكون رفيقي فى كل مكان اكون فيه طفولة تحت مظلة الجمال .......محاطة بحزام من الجمال وبيت فيه قصة حب لا ينضب بين ابي وامي .....واحترام كان هو سيد المكان كم أنا محظوظا في طفولتي |
كان يأم الجبل ضيوف اعزاء فى شهور معلومة
وكان اهل الجبل يكرمون ضيوفهم كما يكون الجود والكرم تهاجر طيور الشمال للجنوب بحثا عن الدفئ فى الشتاء واهل الجبل يعروفون مواعيد قدوم كل نوع من تلك الطيور وكل نوع منهم له طعامه الخاص به فى حقل جدي المجاور كان الأستقبال اجمل واروع وفى بيتنا كانت امي تستقبلهم بطريقة ارستقراطية ...وتضع لهم الطعام على السفر المختلفة فى حديقة منزلنا الكبيرة كنت اهوى طريقة جدي فى استقبالهم .....حيث كان يرش لهم البذور بطريقة دائرية ويضعنا ونحن اطفال فى مركز الدائرة ....واحيانا يضع الحبوب فى يدنا وتنقر الطيور حبوبها من راحتينا تخيلت فى تلك السنوات بأني خلقت لغة تخصني وحدي مع الطيور وعند المساء احضر ما سأقوله لهم عند الصباح ما اروع الطفولة وبرائتها |
قد نستخدم نحن معشر البشر الحروف والكلمات لصنع العبارات لنعبر بها عن كوامن انفسنا
ونتصور بأن العبارات يمكن ان تقوم بذاتها كبدائل للمشاعر وتدل بصدق على ذواتنا وأنا اري ......بأن العبارات قد تحجب ولا تُظهر ......تضلل ولا تعبر .....تشوة ولا تُجمل ...تُسقط ولا تُحلق عن نفسي احب لغة العيون الصامتة الصمت المفعم بالشعور حكمه اقوى من جميع مفردات اللغة احترم كل من يتكلم بلا نطق ......ويسمع همس النفوس ....ويضحك بلا صوت هؤلاء هم البشر مرهفى الأحساس ....وما اقلهم عددا هؤلاء من يشعرون كثيرا ويتكلمون قليلا .....وما اقلهم نفرا |
اربعة اعوام فصلت بين وفاة أبي ....ورحيل جدي
حاول خلالها جدي ان يختصر سنين عمره السبعين ويعلمني ما علمته لها الحياة قد يكون طبعي بأني خلقت انسانا يحب الأستماع ....والأنصات لكل من يحدثني وقد يكون لوفاة ابي مبكرا دور فى ان السكينة والصمت تمكنا مني احب جدي تلك الصفة فى شخصي ......وعلمني الكثير مما تعلم طوال حياته وكان يعاملني كأنني ابنا له وليس حفيدا .....وفرض احترامي على الجميع تلك السنوات الأربع خلقت مني .....انسانا جديدا صبي يافع .....بحكمة جد عجوز .....ومسئولية اب |
كنت لا اريد مواساة من احد ....لأن المواساة زرعها جدي
فى اعماق نفسي قبل رحيله أنا ابن الطبيعة .....بكل ما في الطبيعة من حكمة .....وأبن الجبل .... بكل ما في الجبل من شموخ وما لابناء الجبل من سعة افق اكتسبت ثقافتي من شروق الشمس صباحا .....ومن غيابها عند المساء اكتسبت نفسي رقتها من تغريد الطيور عند الفجر ...... ورجاحة تفكيري اكتسبتها من حكمة جدي ودمعة كانت ضيفا دائما في عيون أمي بعد وفاة أبي وكان من العار علي شخصي ان لا اكون متفوقا فى دراستي وأنا ابن مهندس ومفكر ...وتربوية اديبة وحفيد جد ازهري من جابهذة الفكر فى بلدي |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas