عِصْمَةِ الشَّبَابِ وَوَالْفَتَيَاتِ
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: 131- 132]. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ زَلَّتْ بِهِمُ الْقَدَمُ فِي سَفَرٍ مِنَ الْأَسْفَارِ، فَوَقَعُوا فِيمَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ نُجِّيَ وَتَابَ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَلَّ وَتَاهَ. وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَعَ فِي الْإِثْمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ فَاسْتَحَالَتْ حَيَاتُهُمْ شَقَاءً بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ فَمِنْهُمْ مَنِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ مَرَضٌ لَا عَافِيَةَ مِنْهُ، أَخَذَ فِي أَكْلِ جَسَدِهِ حَتَّى هَلَكَ فِي رَيْعَانِ شَبَابِهِ، فَضَاعَتْ حَيَاتُهُ، وَفَقَدَهُ أَهْلُهُ، بِنَزْوَةٍ عَابِرَةٍ كَانَ بِإِمْكَانِهِ كَبْحُهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ فَابْتَزَّتْهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ حَتَّى أَفْقَرَتْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ عُلِّقَتْ بِهِ صَاحِبَتُهُ فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى مُفَارَقَتِهَا انْتَقَمَتْ مِنْهُ فَسَحَرَتْهُ فَإِمَّا تَبِعَهَا، وَصَارَ عَبْدًا لَهَا. وَإِمَّا عَادَ إِلَى أَهْلِهِ بِعِلَّتِهِ فَمَا تَزَوَّجَ مِنِ امْرَأَةٍ إِلَّا اسْتَوْحَشَهَا وَطَلَّقَهَا، وَلَا يَعْلَمُ أَهْلُهُ مَا عِلَّتُهُ، وَعِلَّتُهُ قَدْ جَاءَ بِهَا مِنْ سَفَرِهِ. وَآثَارُ المَعَاصِي وَمَشَاكِلُهَا لَا تَنْتَهِي.. وَهَذَا مَا عُجِّلَ مِنْ عُقُوبَاتٍ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا مَا ادُّخِرَ فِي الْآخِرَةِ فَأَعْظَمُ، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ صَاحِبُ الذَّنْبِ مِنْ ذَنْبِهِ، وَيُقْبِلَ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ قَدْ بَاتُوا يَخَافُونَ عَلَى شَبَابِهِمْ وَفَتَيَاتِهِمْ مِمَّنْ يُزَيِّنُونَ لَهُمُ المَعَاصِي، وَيَتَرَبَّصُونَ بِهِمُ السُّوءَ، حَتَّى يُوقِعُوهُمْ فِي حَبَائِلِهِمْ لِغَرَضٍ يُرِيدُونَهُ، وَصَارَ إِيقَاعُ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ فِي المُحَرَّمَاتِ، وَابْتِزَازُهُمْ بِهَا سُوقًا رَائِجَةً تَدُرُّ مَالًا كَثِيرًا، فَكَثُرَ المُمْتَهِنُونَ لَهَا، وَهَذَا مِمَّا زَادَ المَخَاطِرَ، وَمَظِنَّةُ ذَلِكَ الْكُبْرَى الْأَسْفَارُ المُحَرَّمَةُ، وَارْتِيَادُ أَمَاكِنِ المَعَاصِي وَالْقِمَارِ وَالْفُجُورِ. إِنَّ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ عِصْمَةِ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ التَّرْبِيَةَ الْإِيمَانِيَّةَ، وَكَثْرَةَ الْوَعْظِ وَالنُّصْحِ، وَالتَّخْوِيفَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَغَرْسَ ذَلِكَ فِي نُفُوسِ الْأَطْفَالِ، حَتَّى يَنْشَأَ الطِّفْلُ وَقَلْبُهُ عَامِرٌ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخَوْفِ مِنْهُ، فَيَرُدُّهُ ذَلِكَ فِي كِبَرِهِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَهَذَا مَا يُفَسِّرُ لَنَا أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مَظْهَرُ الِاسْتِقَامَةِ الْكَامِلَةِ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَلَكِنْ فِي قَلْبِهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّـهِ تَعَالَى وَالْخَوْفِ مِنْهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنِ اقْتِرَافِ المَعَاصِي وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى المَعْصِيَةِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَقِيمًا، كَثِيرَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَكِنَّهُ يَضْعُفُ أَمَامَ المُغْرِيَاتِ، وَلَا يُقَاوِمُ الشَّهَوَاتِ.. إِنَّهَا التَّرْبِيَةُ الْإِيمَانِيَّةُ فِي الصِّغَرِ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا. وَتَأَمَّلُوا وَصِيَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ غُلَامٌ دُونَ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ، قَالَ: «يَا غُلامُ -أَوْ يَا غُلَيِّمُ- أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ» وَحِفْظُ اللَّـهِ تَعَالَى هُوَ حِفْظُ أَوَامِرِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ، وَالْجَزَاءُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَحْفَظُ الْعَبْدَ مِنَ الشُّرُورِ الَّتِي تَنَالُ مِنْ دِينِهِ أَوْ مِنْ دُنْيَاهُ، وَهَذَا غَايَةُ مَا يَطْلُبُهُ الْعَبْدُ. وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدٌ: الصَّغِيرُ لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ، فَهَذَا قُدْوَتُنَا رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ ابْنَ عَبَّاسٍ المُرَاقَبَةَ وَهُوَ طِفْلٌ. وَفِي قِصَّةٍ عَظِيمَةٍ لِسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّـهِ التَّسْتُرِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قَالَ: «كُنْتُ وَأَنَا ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ أَقُومُ بِاللَّيْلِ، فَأَنْظُرُ إِلَى صَلَاةِ خَالِي مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، فَقَالَ لِي يَوْمًا: أَلَا تَذْكُرُ اللهَ الَّذِي خَلَقَكَ، ثُمَّ جَعَلَ يُلَقِّنُهُ: اللهُ مَعِي، اللهُ نَاظِرٌ إِلَيَّ، اللهُ شَاهِدِي... وَاسْتَمَرَّ لَيَالِيَ يُلَقِّنُ الطِّفْلَ ذَلِكَ، يَقُولُ سَهْلٌ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي حَلَاوَتُهُ. فَكَبِرَ الصَّبِيُّ وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ، فَوَجَدْتُ لِذَلِكَ حَلَاوَةً فِي سِرِّي، ثُمَّ قَالَ لِي خَالِي يَوْمًا: يَا سَهْلُ، مَنْ كَانَ اللهُ مَعَهُ وَنَاظِرًا إِلَيْهِ وَشَاهِدَهُ أَيَعْصِيهِ؟! إِيَّاكَ وَالمَعْصِيَةَ...» فَأَثْمَرَ تَلْقِينُ هَذَا الطِّفْلِ رَجُلًا عَابِدًا صَالِحًا يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، هُوَ مِنْ أَعْلَامِ الزُّهْدِ وَالِاسْتِقَامَةِ فِي تَارِيخِ المُسْلِمِينَ. مَا أَحْوَجَنَا إِلَى أَنْ نُرَبِّيَ جَانِبَ الْخَوْفِ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى فِي قُلُوبِنَا، فِي كُلِّ أَحْوَالِنَا وَخَاصَّةً فِي أَسْفَارِنَا، وَأَنْ نُلَقِّنَ أَطْفَالَنَا تَعْظِيمَ اللَّـهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتَهُ وَرَجَاءَهُ وَالْخَوْفَ مِنْهُ، وَمُرَاقَبَتَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ؛ فَإِنَّ ثَمَرَةَ هَذَا التَّلْقِينِ نَجْنِيهَا فِي كِبَرِهِمْ، بِحِفْظِ اللَّـهِ تَعَالَى لَهُمْ، وَاسْتِقَامَتِهِمْ عَلَى أَمْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهَذِهِ قُرَّةُ الْعَيْنِ فِي الْوَلَدِ ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74]. وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ... |
اللهم احمي شباب وبنات المسلمين من فتن هذا الزمان وسائر الفتن
|
بارك الله فيك وجزاك الله الفردوس الاعلى
دائما متميز في الانتقاء سلمت يالغالي على روعه طرحك نترقب المزيد من جديدك الرائع دمت ودام لنا روعه مواضيعك |
بارك الله فيك وجزاك الله الفردوس الاعلى
دائما متميز في الانتقاء سلمت يالغالي على روعه طرحك نترقب المزيد من جديدك الرائع دمت ودام لنا روعه مواضيعك |
اللهم يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
الشكوى لله جزاك الله خير ونفع بك |
سلمت يدآك على روعة الطرح
وسلم لنآ ذوقك الراقي على جمال الاختيار .. لك ولحضورك الجميل كل الشكر والتقدير .. اسأل البآري لك سعآدة دائمة |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas