منتديات هبوب الجنوب

منتديات هبوب الجنوب (http://www.h-aljnoop.com/vb/index.php)
-   ۩۞۩ هبوب نفحات إيمـــانيــة ۩۞۩ (http://www.h-aljnoop.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   شرح الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى (http://www.h-aljnoop.com/vb/showthread.php?t=46057)

نجوى الروح 16-11-2021 09:13 AM

شرح الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى
 
.




شرح الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى




((وَهُوَ الإيمانُ بِاللهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ،
وَرُسُلِهِ، وَالبَعْثِ بَعْد المَوْتِ، والإيمانُ
بالقَدَر خَيْرِه وَشَرّهِ))(7).


(7) هذِهِ العقيدةُ أصَّلَهَا لنا النَّبيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جوابِ
جبريلَ حِينَ سألَ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا الإسلامُ؟
مَا الإيمانُ؟ مَا الإحسانُ؟ متى السَّاعةُ؟
فالإيمانُ –قَالَ لَهُ-:
((أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، وملائكتِهِ، وكتبِهِ،
ورسلِهِ، واليومِ الآخرِ، والقدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ)).
((الإيمانُ باللَّهِ)): الإيمانُ فِياللُّغةِ:
يقولُ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ: إِنَّهُ التَّصديقُ،
فصدَّقْتُ وآمنْتُ معناهُمَا لغةً واحدٌ،
وقد سَبقَ لنَا فِي التَّفسيرِ أنَّ هَذَا
القولَ لاَ يَصِحُّ، بلِ الإيمانُ فِي اللُّغةِ:
الإقرارُ بالشَّيءِ عن تصديقٍ بِهِ، بدليلِ
أنَّكَ تقولُ: آمنتُ بكذا، وأقررْتُ بكذا،
وصدَّقتُ فلاناً. ولاَ تقولُ: آمنتُ فلاناً.
إذاً، فالإيمانُ يتضمَّنُ معنىً زائداً
عَلَى مجرَّدِ التَّصديقِ، وَهُوَ الإقرارُ
والاعترافُ المستلْزِمُ للقَبولِ للأخبارِ
والإذعانِ للأحكامِ، هَذَا الإيمانُ، أمَّا
مجرَّدُ أنْ تُؤمنَ بأنَّ اللَّهَ موجودٌ،
فهَذَا ليسَ بإيمانٍ، حَتَّى يكونَ هَذَا
الإيمانُ مستلْزِماً للقَبولِ فِي الأخبارِ
والإذعانِ فِي الأحكامِ، وإلاَّ فليسَ إيماناً.
والإيمانُ باللَّهِ يتضمَّنُ أربعةَ أُمورٍ:
1- الإيمانُ بوجودِهِ سُبْحَانَهُ وَ- تَعَالَى -.
2- الإيمانُ بربوبيَّتِهِ، أيْ: الانفرادُ بالرُّبوبِيَّةِ.
3- الإيمانُ بانفرادِهِ بالألوهِيَّةِ.
4- الإيمانُ بأسمائِهِ وصفاتِهِ.
لاَ يمكنُ أنْ يتحقَّقَ الإيمانُ إِلاَّ بذلِكَ.
فمَنْ لَمْ يُؤمِنْ بوجودِ اللَّهِ، فليس
بمؤمنٍ، ومَن آمَنَ بوجودِ اللَّهِ
لاَ بانفرادِهِ بالرُّبوبِيَّةِ، فَلَيْسَ بمؤمنٍ،
ومَن آَمَن باللَّهِ وانفرادِهِ بالرُّبوبِيَّةِ
لاَ بالأُلوهِيَّةِ، فَلَيْسَ بمؤمنٍ، ومَن
آمَنَ باللَّهِ وانفرادِهِ بالرُّبوبِيَّةِ
وبالأُلوهِيَّةِ، لكنْ لَمْ يؤمنْ بأسمائِهِ
وصفاتِهِ، فليسَ بمؤمنٍ، وإنْ كَانَ
الأخيرُ فِيهِ مَن يَسْلُبُ عَنْهُ الإيمانَ
بالكُلِّيَّةِ،وفيِهِ مَن يَسلُبُ عَنْهُ كمالَ الإيمانِ.
الإيمانُ بوجودِهِ:
إِذَا قَالَ قائلٌ: مَا الدَّليلُ عَلَى
وجودِ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -؟
قُلْنا: الدَّليلُ عَلَى وجودِ اللَّهِ: العقلُ،
والحِسُّ، والشَّرْعُ، ثلاثةٌ كلُّها تَدلُّ
عَلَى وجودِ اللَّهِ، وإنْ شِئْتَ، فَزِدْ:
الفِطْرةَ، فتكونُ الدَّلائلُ عَلَى وجودِ
اللَّهِ أربعةً: العقلُ، والحِسُّ، والفِطْرةُ،
والشَّرْعُ، وأخَّرْنَا الشَّرْعَ، لاَ لأنَّهُ
لاَ يستحِقُّ التَّقديمَ، لكنْ لأنَّنا نخاطِبُ
مَنْ لاَ يُؤمِنُ بالشَّرْعِ.
-فأمَّا دلالةُ العقلِ، فنقولُ: هل
وجودُ هذِهِ الكائناتِ بنْفِسِها،
أوْ وُجِدتْ هكذا صُدْفةً؟
فإنْ قُلْتَ: وُجِدتْ بنَفْسِها، فمستحيلٌ
عَقْلاً، مَا دامتْ هِيَ معدومةً، كَيْفَ
تكونُ موجودةً وهِيَ معدومةٌ؟!
المعدومُ لَيْسَ بشيءٍ حَتَّى يوجِدَ،
إذاً لاَ يمكنُ أنْ تُوجِدَ نَفْسَها بنَفْسِها!
وإنْ قُلْتَ: وُجِدَتْ صُدفةً، فنَقولُ:
هَذَا يستحيلُ أيضاً، فأنتَ أيُّها
الجاحِدُ، هَلْ مَا أُنْتِجَ مِن الطَّائراتِ
والصَّواريخِ والسَّياراتِ والآلاتِ
بأنواعِها، هل وُجِدَ هَذَا صُدفةً؟!
فيقولُ: لاَ يمكنُ أنْ يكونَ، فكذلِكَ
هذِهِ الأطيارُ، والجبالُ، والشَّمسُ،
والقمرُ، والنُّجومُ، والشَّجرُ، والجَمْرُ،
والرِّمالُ، والبِحارُ، وغيرُ ذلِكَ، لاَ يمكنُ
أنْ تُوجدَ صُدفةً أبداً.
ويُقالُ: إنَّ طائفةً من السُّمنيَّةِ جَاءُوا
إِلَى أبي حنِيفةَ -رحمَهُ اللَّهُ- وهُمْ مِنْ
أهلِ الهندِ، فناظَرُوهُ فِي إثباتِ الخالقِ
- عزَّ وجلَّ -، وكَانَ أبو حَنِيفةَ مِن أَذْكَى
العُلماءِ، فوَعدَهُم أنْ يأْتُوا بعدَ يومٍ
أوْ يَوْمَيْنِ، فجاءوا، قالوا: مَاذَا قُلْتَ؟
قالَ: أنا أُفكِّرُ فِي سفينةٍ مملوءةٍ
مِن البَضائعِ والأرزاقِ، جاءتْ تشُقُّ
عُبابَ الماءِ حَتَّى أَرْسَتْ فِي الميناءِ،
ونزَلَتِ الحُمولةُ، وذَهَبْتْ وليسَ
فِيهَا قائدٌ ولاَ حمَّالونَ، قالوا:
تُفَكِّرُ بهَذَا؟! قال: نعمْ، قالوا:
إذاً لَيْسَ لَكَ عقلٌ! هل يُعْقَلُ أنَّ
سفينةً تأْتِي بدونِ قائدٍ وتَنْزِلُ
وَتَنْصَرِفُ؟! هَذَا ليسَ مَعقولاً!
قالَ: كَيْفَ لاَ تَعقِلونَ هَذَا،
وتعقلونَ أنَّ هذِهِ السَّماواتِ،
والشَّمسَ، والقمرَ، والنُّجومَ،
والجِبالَ، والشَّجرَ، والدوابَّ،
والنَّاسَ كلَّها بِدُونِ صانعٍ؟!
فعَرَفوا أنَّ الرَّجلَ خاطبَهُم
بعقولِهم، وعَجَزُوا عن جوابِهِ
هَذَا أوْ معناهُ.
وقِيلَ: لأعرابيٍّ مِن البادِيَةِ: بِمَ
عَرفتَ ربَّكَ؟ فَقَالَ: الأَثَرُ يَدُلُّ عَلَى
المسيرِ، والبَعْرةُ تدلُّ عَلَى البعيرِ،
فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ فجاجٍ،
وبحارٌ ذاتُ أمواجٍ، ألاَ تدلُّ عَلَى
السَّميعِ البصيرِ؟
وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ -:
(أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ
الخَالِقُونَ) [الطورُ: 35].
فحينئذٍ يكونُ العقلُ دالاًّ دلالةً
قطعيَّةً عَلَى وجودِ اللَّهِ
-وأمَّا دلالةُ الحسِّ عَلَى وجودِ
اللَّهِ، فإنَّ الإنسانَ يَدْعُو اللَّهَ
- عزَّ وجلَّ -، يقولُ: يا ربِّ! ويَدْعُو
بالشَّيءِ، ثُمَّ يُسْتَجابُ لَهُ فِيهِ، وهذِهِ
دلالةٌ حِسِّيَّةٌ، هُوَ نَفْسُهُ لَمْ يدْعُ إِلاَّ اللَّهَ،
واستجابَ اللَّهُ لَهُ، رأى ذلِكَ رَأْيَ العَيْنِ،
وكذلِكَ نحنُ نَسمعُ عمَّنْ سَبقَ
وعمَّنْ فِي عَصْرِنا، أنَّ اللَّهَ استجابَ لَهُ.
فالأعرابيُّ الَّذِي دَخلَ والرَّسولُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخطُبُ
النَّاسَ يومَ الجمعةِ قالَ: هَلَكَت
الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَت السُّبُلُ، فَادْعُ
اللَّهَ يُغِيثُنَا، قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ،
مَا فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلاَ
قَزْعَةٍ (أَي: قِطْعَةِ سَحَابٍ)، وَمَا بَيْنَنَا
وَبَيْنَ سَلْعٍ (جَبَلٍ فِي المَدينةِ تَأْتِي
مِنْ جِهَتِهِ السُّحُبُ) مِنْ بَيْتٍ وَلاَ دَارٍ…
وَبَعْدَ دُعاءِ الرَّسولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَوْراً خَرَجَتْ سَحَابةٌ مِثْلُ التُّرْسِ،
وَارْتَفَعَتْ فِي السَّمَاءِ وَانْتَشَرَتْ
وَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ وَنَزَلَ المَطَرُ، فَمَا نَزَلَ
الرَّسولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إِلاَّ وَالمَطَرُ يَتَحَادَرُ مِنْ لِحْيَتِهِ عَلَيْهِ
الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
وَهَذَا أمرٌ واقعٌ يدلُّ عَلَى وجودِ
الخالقِ دلالةً حِسِّيَّةً.
وفِي القرآنِ كثيرٌ مِن هَذَا، مِثلُ:
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِيَ
الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ)
[الأنبياءُ: 83-84]، وغيرُ ذلِكَ مِن الآياتِ.
-وأمَّا دلالةُ الفِطْرةِ، فإنَّ كثيراً مِن
النَّاسِ الَّذِينَ لَمْ تَنْحَرِفْ فِطَرُهُمْ
يؤمنونَ بوجودِ اللَّهِ، حَتَّى البهائمُ
العُجْمُ تُؤمِنُ بوجودِ اللَّهِ، وقِصَّةُ
النَّملةِ الَّتِي رُوِيتْ عن سليمانَ
- عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -، خَرَجَ يَستسْقِي
فوَجدَ نَملةً مُستلْقِيةً عَلَى ظَهْرِهَا،
رافِعةً قوائمَها نحوَ السَّماءِ، تقولُ:
اللَّهُمَّ، أَنَا خَلْقٌ مِن خَلْقِكَ، فلاَ تَمْنَعْ
عَنَّا سُقْياكَ، فَقَالَ: ارْجِعوا، فَقَدْ
سُقيتُمْ بدَعْوةِ غيرِكُمْ.
فالفِطَرُ مجبولةٌ عَلَى معرفةِ اللَّهِ
- عزَّ وجلَّ - وتوحيدِهِ.
وقدْ أشارَ اللَّهُ - تَعَالَى - إِلَى ذلِكَ
فِي قولِهِ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ
مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ
عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ
بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القِيَمَةِ
إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُواْ
إِنَّمَا أَشْرَكَ ءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا
ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ) [الأعرافُ: 172-173]،
فهذِهِ الآيةُ تدلُّ عَلَى أنَّ الإنسانَ
مجبولٌ بفِطرَتِهِ عَلَى شَهادتِهِ بوجودِ
اللَّهِ وربوبيتَّهِ، وسواءٌ أقلْنا: إنَّ اللَّهَ
اسْتَخْرَجَهُمْ مِن ظَهرِ آدمَ واستشهَدَهُم،
أوْ قُلْنا: إنَّ هَذَا هُوَ مَا ركَّبَ اللَّهُ - تَعَالَى
- فِي فِطَرِهِمْ مِن الإقرارِ بِهِ، فإنَّ
الآيةَ تدلُّ عَلَى أنَّ الإنسانَ يَعْرِفُ
ربَّهُ بفطرَتِهِ.
هذِهِ أدلَّةٌ أربعةٌ تدلُّ عَلَى وجودِ اللَّهِ
سُبْحَانَهُ وَ- تَعَالَى -.
-وأمَّا دلالةُ الشَّرعِ؛ فلأنَّ مَا جاءتْ بِهِ
الرُّسلُ مِن شرائعِ اللَّهِ - تَعَالَى -
المتضمِّنةِ لجميعِ مَا يُصْلحُ الخَلقَ، يدلُّ
عَلَى أنَّ الَّذِي أَرْسَلَ بها ربٌّ رحيمٌ
حكيمٌ، ولاَ سِيَّمَا هَذَا الْقُرْآنِ المجيدُ،
الَّذِي أَعْجَزَ البَشرَ والجِنَّ أنْ يَأْتُوا بمثْلِه.
((وملائكَتِهِ)): الملائكةُ جمعُ: ملأك،
وأصلُ ملأكٍ: مألكُ؛ لأنَّهُ مِن الألوكةِ،
والألوكةُ فِي اللُّغةِ الرِّسالةُ، قَالَ اللَّهُ
- تَعَالَى -: (جَاعِلِ المَلَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِى
أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى) [فاطرٌ: 1].
فالملائكةُ عالَمٌ غَيْبِيٌّ، خَلقَهُم اللَّهُ
- عزَّ وجلَّ - من نُورٍ، وجعلَهُمْ طائِعينَ
لَهُ مُتذَلِّلِينَ لَهُ، ولِكُلٍّ مِنْهُم وظائفُ
خَصَّهُ اللَّهُ بِهَا، ونَعلمُ مِن وظائِفِهمْ:
أوَّلاً: جِبريلُ: مُوَكَّلٌ بالوَحيِ، يَنْزلُ بِهِ
مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - إِلَى الرُّسُلِ.
ثانياً: إسرافيلُ: مُوَكَّلٌ بنَفخِ الصُّورِ،
وَهُوَ أيضاً أَحدُ حَمَلةِ العرشِ.
ثالثاً: ميكائيلُ: مُوَكَّلٌ بالقَطْرِ والنَّباتِ.
وهؤلاءِ الثَّلاثةُ كلُّهمْ مُوَكَّلُونَ بمَا فِيهِ
حياةٌ، فجبريلُ مُوَكَّلٌ بالوَحيِ، وفِيهِ حياةُ
القلوبِ، وميكائيلُ بالقَطْرِ والنَّباتِ،
وفِيهِ حياةُ الأرضِ، وإسرافيلُ بنفخِ
الصُّورِ، وفِيهِ حياةُ الأجسادِ يومَ الميعادِ،
وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يَتوسَّلُ بربوبيَّةِ اللَّهِ لهمْ فِي دعاءِ
الاستفتاحِ فِي صلاةِ اللَّيلِ، فيقولُ:
((اللَّهُمَّ، رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائيلَ وَإِسْرَافِيلَ،
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمْ بَيْنَ عِبَادِكَ
فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِني
لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ،
إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))،
هَذَا الدُّعاءُ الَّذِي كَانَ يقولُهُ فِي قيامِ
اللَّيلِ متوسِّلاً بربوبيَّةِ اللَّهِ لهُمْ.
كذلِكَ نَعلَمُ أنَّ مِنْهُم مَن وُكِّلَ بقَبْضِ
أرواحِ بَنِي آدمَ، أوْ بقَبْضِ رُوحِ كُلِّ
ذِي رُوحٍ، وَهُمْ: مَلَكُ الموتِ وأعوانُه،
ولاَ يُسمَّى عَزرائيلَ، لأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ
عن النَّبيِّ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -
أنَّ اسمَه هَذَا.
قَالَ - تَعَالَى -: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ)
[الأنعامُ: 61]. وقَالَ - تَعَالَى -:
(قُلْ يَتَوَفَّكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ
بِكُمْ) [السجدةُ: 11].
وقَالَ - تَعَالَى -: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ
حِينَ مَوْتِهَا) [الزمرُ: 42].
ولاَ منافاةَ بينَ هذِهِ الآياتِ الثَّلاثِ،
فإنَّ الملائكةَ تَقْبِضُ الرُّوحَ، فإنَّ مَلَكَ
الموتِ إِذَا أخرجَها من البَدنِ تكونُ
عندَهُ ملائكةٌ، إنْ كَانَ الرَّجلُ مِن أهلِ
الجنَّةِ، فيكونُ مَعَهم حَنوطٌ من الجنَّة
وكَفَنٌ من الجنَّةِ، يأخذونَ هذِهِ الرُّوحَ
الطَّيِّبةَ، ويَجعلونَهَا فِي هَذَا الكَفَنِ،
ويَصْعَدُون بِهَا إِلَى اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -،
حَتَّى تَقِفَ بين يَدَيِ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -،
ثُمَّ يقولَ: اكْتُبُوا كتابَ عبدِي فِي
علِّيِّينَ، وأعيدوهُ إِلَى الأرضِ، فتَرْجِعُ
الرُّوحُ إِلَى الجسدِ مِن أجلِ الاختبارِ،
مَنْ ربُّكَ؟ ومَا دينُكَ؟ ومَن نبيُّكَ؟
وإنْ كَانَ الميتُ غيرَ مؤمنٍ
–والعياذُ باللَّهِ- فإِنَّهُ يَنْزِلُ ملائكةٌ
مَعَهُمْ كَفَنٌ مِن النَّارِ وحَنوطٌ من
النَّارِ، يأْخُذونَ الرُّوحَ، ويجعلونَها فِي
هَذَا الكَفَنِ، ثُمَّ يَصعدونَ بِهَا إِلَى
السَّماءِ، فَتُغْلَقُ أبوابُ السَّماءِ دُونهَا،
وَتُطْرَحُ إِلَى الأرضِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -:
(وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ
السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي
بِهِ الرِّيحُ فِي مَكاَنٍ سَحِيقٍ) [الحج: 31]،
ثُمَّ يقولُ اللَّهُ: اكْتُبوا كِتابَ عَبْدِي
فِي سجِّينٍ، نَسألُ اللَّهَ العافِيةَ.
هؤلاءِ مُوَكَّلونَ بقبضِ الرُّوحِ مِن
مَلَكِ الموتِ إِذَا قبضَها، وملَكُ الموتِ
هُوَ الَّذِي يُباشِرُ قبْضَها، فلاَ منافاةَ
إِذًا، والَّذِي يَأمرُ بذلِكَ هُوَ اللَّهُ،
فيكونُ فِي الحقيقةِ هُوَ المتوَفِّي.
ومِنْهُمْ ملائكةٌ سيَّاحونَ فِي الأرضِ،
يَلتمسونَ حِلقَ الذِّكرِ، إِذَا وَجَدوا
حلقةَ العِلمِ والذِّكرِ، جلسُوا.
وكذلِكَ هَنَاكَ ملائكةٌ يَكتبونَ أعمالَ
الإنسانِ: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ،
كِرَاماً كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)
[الإنفطارُ: 10-12]، (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ
إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].
دخَلَ أحدُ أصحابِ الإمامِ أحمدَ عَلَيْهِ
وهُوَ مريضٌ -رحمَهُ اللَّهُ-، فوجدَهُ
يئنُ مِن المرضِ، فقَالَ لَهُ: يا أبا عبدِ اللَّهِ،
تئنُّ وَقَدْ قَالَ طاوُسٌ: إنَّ المَلَكَ
يَكتُبُ حَتَّى أنينَ المريضِ؛ لأنَّ اللَّهَ
يقولُ: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ
رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]؟ فجعلَ أبو عبدِ اللَّهِ
يَتصبَّرُ، وتَرَكَ الأنينَ؛ لأنَّ كلَ شيءٍ يُكْتَبُ،
(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ): (مِن): زائدةٌ لتوكيدِ
العمومِ، أيَّ قولٍ تقولُهُ يُكْتَبُ، لكنْ قد
تُجَازى عَلَيْهِ بخيرٍ أوْ بِشرٍّ، هَذَا حسَبَ
القولِ الَّذِي قِيلَ:
ومِنْهُمْ أيضاً ملائكةٌ يَتعاقبونَ عَلَى بنِي
آدمَ فِي اللَّيلِ والنَّهارِ، (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ
مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ
مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعدُ: 11].
وَمِنْهُم ملائكةٌ رُكَّعٌ وسُجَّد لِلَّهِ فِي
السَّماءِ، قَالَ النَّبِيُّ - عليْهِ الصَّلاَةُ
والسَّلاَمُ -: ((أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ
لَهَا أَنْ تَئِطَّ))، والأطيطُ: صريرُ الرَّحْلِ،
أيْ: إِذَا كَانَ عَلَى البعيرِ حملٌ ثقِيلَ:،
تسمعُ لَهُ صريراً من ثقلِ الحملِ،
فيقولُ الرسولُ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -:
((أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا مِنْ
مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابَعَ مِنْهَا إِلاَّ وَفِيهِ مَلَكٌ
قَائِمٌ لِلَّهُِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ))، وعَلَى
سِعَةِ السَّماءِ فِيهِا هؤلاءِ الملائكةُ.
وَلِهَذَا قَالَ الرَّسولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فِي البيتِ المعمورِ الَّذِي مرَّ بِهِ
فِي ليلةِ المعراجِ، قالَ: ((يَطُوفُ بِهِ
(أَوْ قَالَ: يَدْخُلُهُ) سَبْعُونَ أَلف مَلَكٍ
كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ))،
والمعنَى: كُلَّ يومٍ يأتي إِلَيْهِ سبعونَ
ألْفِ مَلَكٍ غيرِ الَّذِينَ أَتَوْهُ بالأمسِ
ولاَ يعودونَ لَهُ أبداً، يأتي ملائكةٌ
آخرونَ غَيْرُ من سَبَقَ، وَهَذَا يدلُّ
عَلَى كثرةِ الملائكةِ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ -
تَعَالَى -: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ)
[المدثر: 31].
ومنْهُمْ ملائكةٌ مُوكَّلونَ بالجنَّةِ
وموكَّلونَ بالنَّارِ، فخازِنُ النَّارِ اسمُهُ
مالِكٌ، يقولُ أهلُ النَّارِ:
(يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) [الزخرفُ: 77]،
يعني: ليُهْلِكْنا ويُمِتْنا، فَهُمْ يَدْعُونَ
اللَّهَ أنْ يُميتَهُمْ؛ لأنَّهمْ فِي عذابٍ
لاَ يُصْبَرُ عليْهِ، فيقولُ: (إِنَّكُم مَّاكِثُونَ)
[الزخرفُ: 77]، ثُمَّ يُقالُ لَهُمْ:
(لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ
لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرفُ: 78].
المهمُ: أنَّهُ يجبُ علينا أنْ نؤمِنَ بالملائكةِ.
وكَيْفَ الإيمانُ بالملائكةِ؟

يتبع



كايد الجرح 16-11-2021 11:37 AM

موضوع في قمة الروعه
لطالما كانت مواضيعك متميزة
لا عدمنا التميز و روعة الاختيار
دمت لنا ودام تالقك الدائم

نينا 16-11-2021 06:12 PM

جزاك الفردوس الأعلى من الجنــــــــــان
لروعة طرحك القيم والمفيد
لـ عطرك الفواح في ارجاء المنتدى كل الأمتنان
أتمنى أن لاننــحرم طلتك الربيعية
لك أجمل التحايا و أعذب الأمنيات
عناقيد من الجوري تطوقك فرحاا
دمت بطاعة الله


نجوى الروح 17-11-2021 10:02 AM

شكرًا جزيلًا على التواجد
العطر و الرد

تحياتي و كل التقدير

العذوب 19-11-2021 03:42 AM


https://www.pozdravit.com/wp-content...479-142-hq.gif



باااارك الله فيك وفي جلبك الطيب
وطرحك الطيب وجزاك الله عنا كل خير
وكتب لك اجر جهودك القيمه اشكرك
وسلمت الايااادي على رووعة جلبك وطرحك
لاتحرمينااا عطائك الراااقي دمت وتحيتي لك
بانتظااار جديدك تقديري وكوني بخير



https://www.pozdravit.com/wp-content...479-142-hq.gif








































الوافي 27-11-2021 02:11 AM

بارك الله فيك ونفع بِك ..
على طرح موضوعك القيم
تقديري واحترامي.

ريان 28-11-2021 10:19 PM

جزاك الله خير
ويعطيك العافيه
تحيتي لك

نجوى الروح 06-01-2022 08:04 AM

اشكر الجميع الشكر الجزيل على
التواجد و جميل الردود


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas

تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع

Security team

This Forum used Arshfny Mod by islam servant