منتديات هبوب الجنوب

منتديات هبوب الجنوب (http://www.h-aljnoop.com/vb/index.php)
-   ۩۞۩ هبوب القصص والروايات الأدبية ۩۞۩ (http://www.h-aljnoop.com/vb/forumdisplay.php?f=16)
-   -   (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير (http://www.h-aljnoop.com/vb/showthread.php?t=19415)

سلطان الشوق 22-03-2014 01:03 AM

(أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
•:*¨ أحــــــــــلام `*:•.



بقلم / رشا محمود الصغير





(1)
يوم ميلادى



أشرقت الشمس معلنة قدوم يوم جديد .. يوم آخر يجىء برغم كل شىء .. قمت من فراشى بتثاقل وعشرات المطارق تهوى على رأسى من أثر سهاد أمس .. كنت أريد أن أتشبث به لآخر لحظة قبل أن تشرق شمس اليوم معلنة انسحاب سنواتى الربيعية ولتدفع بى على حافة الهاوية حيث تنتصب تحتها سنواتى الثلاثون كسكاكين حادة توشك على تمزيقى .. أطلقت تنهيدة خافتة وأنا أخطو خارج الحجرة بحذر وأدعو الله ألا يتذكر أحد أن هذا اليوم هو ..........


- كل سنة وأنتِ طيبة يا أبلة أحلام


قالتها أختى الصغيرة (مى) بمرح وبصوت سمعه الجيران


منحتها ابتسامة صفراء وأنا أقول من بين أسنانى
- وأنتِ طيبة يا حبيبتى


هممت بالهرب منها قبل أن تسألنى
- بقى عندك كام سنة انهاردة يا أبلة؟


نظرت لها بغيظ قبل أن أقول
- ايه رأيك تحسبيها انتِ .. انتِ عندك كام سنة؟


رفعت كفيها معا وهى تفرق أصابعها العشر


هززت رأسى وأنا أقول
- طيب .. اضربى عمرك x 3 والناتج اضربيه x 2 وبعدين الناتج اجمعيه على نفسه واللى يطلع اقسميه على 4 هتعرفى وقتها عمرى كام سنة


انطلقت تعدو إلى غرفتها لتقوم بالعملية الحسابية التى أظنها ستنهيها فى العام القادم بلا شك


جلست على المقعد وأنا أفكر ما دام الخبر قد تسرب لمى إذن البيت كله قد تذكر يوم ميلادى الذى تمنيت لو محوته من ذاكرتهم هذا العام بالذات


ما أصعب أن تبلغى عامكِ الثلاثون وأنتِ ما زلتِ فى بيت أسرتكِ وتحملين بلا فخر لقب آنسة .. ما أقسى نظرات من حولكِ التى تتباين بين دهشة وتساؤل وإشفاق وشماتة أحيانا وكأنه ذنبى أنا كونى لم أنل شرف الارتباط بأحدهم حتى اليوم وكأن هذا هو المبرر الوحيد لحياتى ومن دونه فربما الموت أفضل لى .. يا لقسوتك أيها الواقع الظالم


أفقت على صوت أمى وهى تقول
- صباح الخير يا أحلام


أجبتها بشرود
- صباح الخير يا ماما


جلست أمامى وهى تنظر نحوى بحزن لم تنجح محاولاتها فى إخفاءه قبل أن تتصنع المرح وهى تقول
- كل سنة وأنتِ طيبة يا حبيبتى


أجبتها دون أن أرفع عينى لها
- وأنتِ طيبة يا ماما


صمتت قليلا قبل أن تستجمع شجاعتها لتقول
- هاعملك التورتة بنفسى وأحطلك فيها الشمع و .....


- 120 شمعة يا ماما


التفتنا معا نحو المشاغبة الصغيرة وهى تهتف بذكاء وتلوح بكراستها فى انتصار


شهقت أمى وهى تقول
- 120 شمعة ليه هو عيد ميلاد أم زينهم!!


جذبتها من يدها وانتزعت الكراسة لأرى معادلتها العبقرية قبل أن أقول
- نسيتِ تقسميها على 4


نظرت لها بتهديد قبل أن أقول
- روحى واقسميها قبل ما أقسمك أنا نصين


انطلقت تعدو من أمامى و قامت أمى من مكانها وكلمتها ترن فى أذنى ( أم زينهم) تلك العجوز التى أظنها أكبر معمرة فى الكون والتى تسكن حينا وتعد أهم ظواهره .. لا أحد يجهل أم زينهم .. ولا أحد يتأخر عن أى طلب تطلبه .. وكل يوم تشرق الشمس تصيبنا بالدهشة من كونها مازالت على قيد الحياة وابتسامتها العجوز لا تفارقها رغم وحدتها .. فلا نرى لها أبناء أو أحفاد ولا أحد يزورها .. ولا أحد يعرف من هو زينهم هذا الملتصق باسمها ولا أين هو .. تنهدت فى صمت وأنا أتخيل وحدتى بعد سنوات وسنوات من الآن لأتحول بدورى إلى أم زينهم جديدة .. ارتجفت من الفكرة وهززت رأسى بعنف لأنفضها عنى قبل أن يخترق صوت مى طبلة أذنى وهى تهتف


- 60 شمعة يا أبلة صح


نظرت لها وشياطين الغضب تتقافز من عينى قبل أن أمسك بخفى

وأعدو خلفها لألقنها درسا يعلمها ألا تخطىء فى الحساب مرة أ

خرى ولا سيما حساب سنوات عمرى الـ ... ثلاثون!


يتبع...

سلطان الشوق 22-03-2014 01:03 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(2)
لا جديد فى الأفق

ذهبت فى طريقى للعمل فى تلك المكتبة الصغيرة التى تجاور بيتنا والتى يملكها كهل طيب هو عم حامد الذى ما زال يؤمن بقيمة الكتاب ويحلم بأن يقدره الناس حق قدره .. وبرغم صعوبة هذا الحلم فى وقتنا هذا إلا أنه ما زال يتشبث به وبكتبه الكثيرة التى تكتظ بها المكتبة والتى قليلا ما تجد رواجا عند الناس .. وقد رفض تماما أن يغير نشاط مكتبته أو حتى أن يضيف لها بعض ما يجعلها ذات نفع مادى له على الأقل .. يا له من موقف نادر وتمسك بالمبدأ قلما نراه عند أحد

قمت بفتح المكتبة وجلست فى مكانى المفضل لأكمل قراءة الرواية التى بدأتها بالأمس .. أنا أيضا أعشق الكتب والروايات .. أعشق أوراقها الصفراء والرائحة المميزة التى تنبعث منها والتى تنقلنى لعوالم أخرى تمنح شخوصها الحق فى الحياة والسعادة

- إزيك يا أحلام

رفعت عينى نحو الصوت الذى أعرفه ونظرت للقوس قزح البشرى الماثل أمامى .. كتلة من الألوان مُزجت معا لتخرج منها الآنسة سمية بشعرها المصبوغ بذهبى صارخ ووجهها الملون بألوان الطيف وملابسها التى لا تخرج عن الأحمر أوالبرتقالى أوالأصفر بكل درجاتهم .. وقفت أمامى وهى تلوك اللادن كعادتها ويبتسم فمها المطلى بلون شديد الحمرة كأنما فرغت لتوها من التهام دلو من المربى .. دفع مظهرها ابتسامة صغيرة لتشق جانب شفتى وأنا أقول

- أهلا يا سوما

سوما كما تحب أن يناديها كل من حولها تعمل فى محل الملابس الجاهزة القريب من المكتبة وهى فتاة شديدة الفضول ولا تكف عن زيارتى كل يوم صباحا لتروى لى آخر الأخبار كوكالة أنباء عالمية دون أن أطلب منها ذلك .. هززت رأسى بصمت دون أن أتابع كلامها وعيناى على صفحات الرواية حتى أنهت نشرة أخبارها وانصرفت بسلام .. تنهدت فى صبر وأكملت القراءة وقد عاد الهدوء إلى المكان أخيرا

انتهى يوم العمل الهادئ الذى لم يأت فيه سوى شخص أو اثنين إلى المكتبة ممن لا زالوا يقدرون قيمة الكتاب .. لكم أشفق عليك يا عم حامد .. عدت إلى البيت وما أن خطوت إلى الداخل حتى انشقت الأرض فجأة عن المشاغبة الصغيرة وهى تتقافز كالقرد وتهتف فى سعادة

- عريس .. عريس .. عريس يا أبلة أحلام

ويقفز معها قلبى ليستقر فى كعب حذائى

سلطان الشوق 22-03-2014 01:04 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 


(3)
نبأ كاذب

خطوت للداخل بساقين مرتعشتين .. كانت أمى تجلس مع إحدى جاراتنا .. ألقيت عليهما التحية بابتسامة مفتعلة وجلست على أقرب مقعد قابلنى فلم يعد بإمكانى الوقوف لحظة أخرى .. ساد الصمت للحظات والجارة تتفحصنى بصمت مريب .. لا أظنها قد جاءت لخطبتى لأحدهم .. فلديها ابنة تصغرنى بعدة أعوام ولا يمكن أن يتسرب عريس من بين أيديها لتهبه لى أنا بدلا منها .. قطع الصمت صوت أمى وهى تقول

- باركى لأم سمر يا أحلام .. سمر خطوبتها بكرة

تسمرت فى مكانى للحظات قبل أن أنتزع الكلمات انتزاعا لألقيها فى أذنها
- مبروك يا طنط .. ربنا يتمم بخير

نظرت لى تلك النظرة المعهودة قبل أن تقول
- عقبالك يا أحلام

انتظرت فى صبر حتى قامت من مكانها وهى تخطو بخيلاء حتى خرجت من الباب .. تنفست بعدها الصعداء ووجهت نظرة لأمى التى يكسو ملامحها حزن عميق .. ليت الأمر بيدى يا أمى .. ليتنى أتمكن من منحكِ لحظة السعادة تلك .. لكنت فعلت فورا .. لا أطيق نظرة الانكسار فى عينيكِ هاتين .. أعرف ما يدور برأسكِ الأن .. وأدعو الله كل يوم ألا أكون سببا فى شقائكِ وأن يمن علىّ بالعريس المنتظر لأجلكِ فقط

قاطع أفكارى صوت مى وهى تهتف بذكاء
- شفتى العريس يا أبلة أحلام هييجى بكرة صح

نظرت نحوها بصمت قبل أن أقول من بين أسنانى
- ممكن تجيبيلى (الشوز) بتاعى من عند الباب يا مى

انطلقت مى وأحضرته بسرعة

أمسكت به واستعدت قلبى الذى سقط بداخله وأعدته مكانه ثم عدوت به خلف تلك المزعجة التى أصابها الحول فى أذنيها حتى لا تقوم بنقل أخبار خاطئة قد تتسبب فى نوبة قلبية لأحدهم دون شك


دخلت حجرتى وأغلقتها خلفى وتوجهت نحو المرآة .. نزعت حجابى ونظرت لصورتى داخلها وأنا أخلل خصلات شعرى بأصابعى .. تأملت ملامحى جيدا .. لا يمكن لأحد أن يتهمنى بالقبح أبدا .. فلدى بشرة خمرية صافية وملامح مريحة وعينان بنيتان واسعتان وشعر أسود طويل .. لا يعيب شكلى شىء والحمد لله .. كما أننى أحمل شهادة جامعية وأنتسب لأسرة طيبة والجميع يشهد لى بحسن الخلق .. لكن أى من هذه المؤهلات لم تدفع أحد ما للتقدم لى ليمنحنى لحظة الفرح تلك .. وليطوق أصبعى بقيد ذهبى جميل يحمينى من نظرات الآخرين التى تقتلنى

النصيب .. كلمة قالتها أمى .. لا يسعنى سوى الصبر والانتظار حتى يأتى هذا النصيب وينتشلنى من تلك الهموم التى تحاصرنى وتلك العيون التى لا هم لها سوى مراقبتى وتلك الأفواه التى لا حديث لها سوى السؤال عما إذا جاء النصيب أم لا

متى ستأتى أيها النصيب؟
متى؟

سلطان الشوق 22-03-2014 01:04 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(4)
صفاء

- أحلام .. تعالى كلمى صفاء على التليفون

قالتها أمى وهى تقف على باب حجرتى .. أسرعت نحو الهاتف لأحادث صديقتى العزيزة وما لبثت نبرات صوتها المختلطة بدموعها أن فجرت فى نفسى شلالات من القلق عليها ولم أفهم من حديثها الكثير لذا قررت الذهاب إليها لأطمئن عليها بنفسى

صفاء فتاة رقيقة وديعة لا تكاد تسمع لها صوتا .. نحيفة القوام ذات ملامح مريحة وبشرة بيضاء وشعر بنى ناعم وعينين من نفس اللون .. دمثة الخلق شديدة التهذيب .. مطيعة جدا .. باختصار ملاك رقيق يسير على الأرض
ترى ما الذى يحزنكِ إلى تلك الدرجة يا صفاء؟

وصلت إليها وما أن دخلت حجرتها حتى ارتمت بين ذراعى وهى تبكى بكاء يمزق القلب .. ربت عليها والقلق ينهشنى وانتظرتها حتى هدأت قليلا وبدأت تخبرنى بما حدث

عرفت منها أن صديق أخيها قد تقدم لخطبتها وأن أسرتها ترحب به بشدة لكونه جاهز ماديا ولديه كل الإمكانيات لبناء بيت وتكوين أسرة وهو يكبرها بعشر سنوات

ما المحزن فى الأمر إذن يا صفاء؟ .. إنه حلمنا جميعا منذ تفتحت براعم الأحلام داخلنا

قالت لى من بين دموعها

- مش قادرة يا أحلام .. أنا .. أنا مش مرتاحة .. بصراحة بخاف منه .. لو شفتيه قلبك هيتقبض من الخوف .. على طول مكشر وملامحه مرعبة ولا مرة ابتسم فى وشى ولا قالى كلمة واحدة تطمنى من ناحيته

صمتت قليلا قبل أن تضيف
- أنا حاسة انى هاموت لو اتجوزته

انفجرت بعدها فى نوبة بكاء جديدة لم أتمكن من إيقافها .. أعرف صعوبة موقفكِ يا صفاء .. كما أعرف تعنت أبيها وأخيها وعدم اقتناعهم أن للفتاة الحق فى رفض من يتقدم لها إن لم تشعر بالقبول نحوه .. فهم ممن يهدرون هذا الحق الإلهى دون ذرة خوف من مانحه

يا لها من قسوة .. حين يتحول الحلم لكابوس .. نظرت بحزن لتلك الزهرة الرقيقة التى لا تملك من أمرها شىء والتى ستساق فى ليلة ما إلى مصيرها المجهول مع إنسان لا تقبل به زوجا .. أى شرع يقبل بتلك الزيجة ؟ .. أى مأذون قادر على منحها تلك الوثيقة رغما عنها ؟ .. لا أملك من الأمر شيئا .. لا أملك أن أرفع هذا الظلم عنكِ يا صفاء .. لا أملك سوى البكاء معكِ قهرا .. وأن أدعو الله لكِ يا صديقتى

خرجت من غرفتها بقلب مثقل يحمل هموم الكون وساقين لا تقويان على حملى .. توجهت نحو الباب قبل أن يدوى صوت أمها فى أذنى

- عقلى صاحبتك يا أحلام .. هى ما بقتش صغيرة .. دى عدت التلاتين

توقفت غصة فى حلقى من أثر كلماتها .. حتى أنتِ أيتها الأم لا ترحمى ابنتكِ فقط لوصولها لسن الإعدام رميا بالنظرات والكلمات والطعنات من كل من حولها .. أولى بكِ أن ترفقى بتلك الضعيفة وتسانديها وتمنحيها بعض من حنان قد عدمه أقرب الناس إليها

آه أيتها الـثلاثون .. لو أملك لمحوتكِ من عالم الأرقام إلى الأبد .. لنحيا فى سلام بعيدا عن مطاردتكِ لنا كشبح يثير الرعب فى قلوبنا الصغيرة .. ويبعث الرجفة فى أجسادنا الفتية ويكسو أرواحنا الغضة بالكآبة وينزع الألوان عن أحلامنا الوردية

عدت إلى البيت ودخلت غرفتى وشعور بالعجز يكبلنى .. لم لم أفعل شىء لصفاء؟ .. لم لم أحاول مساعدتها بأى شكل؟ .. ولكن ما الذى يمكننى فعله من أجلها .. فأنا أماثلها فى الضعف وقلة الحيلة وأشاركها ذات الإعاقة

نعم أشعر بإعاقة لا تشفى فى روحى .. أقنعنى بها كل من حولى .. أشعر وكأننى عاجزة .. ينقصنى أهم شىء قادر على أن يكملنى ويمنحنى صك صلاحيتى للحياة

توجهت نحو النافذة وتعلقت عيناى بالسماء وشكوت لله ظلم خلقه لخلقه ودعوته أن يساند صفاء فى محنتها

وفعلت الشىء الوحيد الذى باستطاعتى والذى تفعله صفاء دون شك الآن
اندفعت فى نوبة بكاء مريرة أغرقت وسادتى فى بحر الأحزان

سلطان الشوق 22-03-2014 01:05 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(5)
صباح صاخب



(يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا)

شادية تصدح منذ الصباح الباكر عند الجيران بأغنيتها الشهيرة .. قمت بفزع من الصوت الجهورى لمكبر الصوت التى يصل صخبه إلى الأحياء المجاورة .. حككت رأسى بضياع وقد تشتت ذاكرتى .. خطوبة من؟ .. آه صفاء .. ولكن ماذا تفعل شادية عند الجيران؟ .. هل انتقلت صفاء للسكن بحينا؟ .. وهل هى سعيدة لدرجة أن توقظ الحى كله فى تلك الساعة؟ .. ربما تخلت أسرتها عن فكرة ارتباطها بالعريس المرعب وهذا هو سر سعادتها .. لكن ما دخل شادية ودبلة خطوبتها بالأمر؟

الحق أن خلايا عقلى كلها كانت تتجه نحو صفاء من شدة قلقى عليها

( نتهنى بالخطوبة ونقول من قلبنا .. يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا)

هناك من يصر إذن

اختلست نظرة من خلف النافذة ووجدت الزينات المعلقة على شرفة الجيران والتى تستعد لتتوهج فى المساء

وتذكرت دفعة واحدة .. اليوم خطوبة جارتنا سمر .. لقد نسيت ذلك تماما .. شردت بذهنى مع مظاهر الفرح المتوالية وأصوات الزغاريد التى لا تنقطع من بيت لآخر .. فالجميع هنا يتشاركون فى الفرح والحزن على حد سواء

تلك اللحظات الملونة بألوان الفرح عند البعض والمتسربلة بالسواد والحزن عند البعض الآخر .. يا لعجائب الحياة

خرجت من حجرتى غير متوقعة أن يكون أحد قد استيقظ سواى .. لكنى فوجئت بمن فى البيت جميعا مستيقظون .. وباب شقتنا مفتوح على مصراعيه .. ووفود تدخل وأخرى تخرج .. أطفال من كل الأعمار والأشكال .. كل منهم يحمل طبقا أو كأس عصير فارغ أو كوب شربات ويتحركون فى طابور كالنمل .. وقفت أراقبهم ببلاهة حتى ميزت مى من بينهم .. جذبتها وما تحمله بيدى وأجلستها على مقعد أمامى وأنا أسألها عما يحدث بالضبط .. أجابتنى بذكاءها الخارق

- انهاردة خطوبة أبلة سمر

أعلم أن اليوم خطوبة سمر .. ولكن ما الذى يدفعنا للانتقال اليوم؟ .. وإلى أين تذهب أغراض البيت تلك؟ .. وماذا يفعل طابور النمل البشرى هذا فى بيتنا؟

قفزت من مكانها لتنضم للطابور من جديد وهى تهتف
- ماما اللى قالت لنا نبعت الحاجة دى لطنط أم سمر

ذهبت إلى أمى التى كانت تعد الشراب الأحمر فى المطبخ .. نظرت نحوى بابتسامة وهى تقول

- صباح الخير يا أحلام .. أكيد الدوشة صحتكِ من النوم بدرى .. معلش الناس عايزة تفرح .. عقبالكِ يا حبيبتى

هززت رأسى بصمت وأنا أنسحب من المطبخ وبعد محاولات كثيرة وتعثرات أكثر تمكنت من اختراق طابور النمل هذا ووصلت إلى الحمام .. قمت بتفتشه جيدا بحثا عن أى نمل مختبئ قبل أن أغلقه خلفى .. توجهت نحو الحوض وغسلت وجهى مرارا حتى أفقت تماما

وما زالت شادية تصدح
( القلب وانشبك وراح مع الشبك .. ولقينا فى الشبك نصيبنا وحبنا)

ابتسمت لكلماتها وأنا أقول لنفسى

لو أعرف لتعلمت الصيد منذ زمن .. لكن أين هو هذا البحر الذى يحوى فى أعماقه النصيب المنتظر؟

هل يعرفه أحدكم ؟!!

سلطان الشوق 22-03-2014 01:06 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
6)
الحفل



كرنفال من الألوان والأضواء المبهرة تسطع فى حينا الذى تألق احتفالا بخطوبة إحدى بناته .. الصخب يعلو والأصوات تتداخل والأطفال يتصايحون دون توقف .. لحظات من سعادة بمفهومهم لا تكتمل دون هذا الضجيج القادر على تفتيت خلايا عقلى كلها

تناولت قرص مسكن عله يخفف تلك الآلام التى تتملكنى .. جلست وقد وضعت رأسى بين يدى وأسبلت عينى فى محاولة يائسة لجلب بعض الراحة لنفسى .. ظللت على حالتى تلك للحظات قبل أن أفتح عينى فارتطمت بأمى التى تقف أمامى ناظرة إلىّ تلك النظرة التى تمزقنى .. لابد أنها فهمت وضعى هذا بشكل خاطىء .. ابتسمت بوهن وأنا أقول

- ماتخافيش يا ماما شوية صداع .. هابقى كويسة كمان شوية

نظرت لى بحزن قبل أن تقول
- لو مش عايزة تروحى .. بلاش خليكِ مرتاحة

بالطبع يا أمى .. أتمنى ألا أذهب هناك .. ألا أقابل من يرشقونى بنظراتهم الجارحة .. من يقتلونى بكلماتهم السامة .. من يمنحوننى حكما بالإدانة لاتهامى بالعنوسة مع سبق الإصرار .. رغم كونى لم أصر عليها يوما ولم أتمسك بها لحظة واحدة .. أى قاض فى تلك الحياة قادر على تحريرى من خلف قضبان ظلمهم ومنحى حريتى كاملة

هززت رأسى ببطء وأنا أقول
- لا يا ماما أنا جاية معاكِ نعمل الواجب .. لحظات بس عشان أجهز

على عكس ما تفعل الفتيات عادة فى تلك المناسبات .. قمت بارتداء ملابس بسيطة وأنيقة فى ذات الوقت .. وزينت وجهى بلمسات هادئة تكاد لا ترى .. نظرت لنفسى وابتسمت لصورتى وأنا أدعوها لتتماسك وأن لا تظهر الضيق لما قد يقابلها فقد اعتدته على كل حال .. لحظات وكنا ثلاثتنا أنا وأمى ومى نخطو إلى بيت العروس حيث الحفل البهيج

يا الله .. أفواج من البشر .. كيف اتسع لهم ذلك البيت الصغير .. اندفعت أمى تشق أمواج البشر القابعة خلف الملابس الزاهية وأنا خلفها ممسكة بيد (مى) حتى لا يدهسها هذا الطوفان .. وأخيرا وصلنا لأم العروس التى كانت تقف فى فخر وشموخ وهى تستقبل التهانى من الأقارب والجيران .. سلمنا عيها وألقينا الكلمات المعهودة التى لا أظنها قد سمعتها لفرط الصخب المحيط بنا .. جلسنا بأعجوبة على مقعدين متجاورين بالقرب من مكان العروس التى لم تحضر بعد

وجوه كثيرة .. أعرف البعض منها وأجهل أكثرها .. تتباين الملامح وتختلف القسمات وتتلاقى جميعا فى اختفاء حقيقتها خلف عدة كيلوجرامات من الطلاء الملون الذى تعشقه النساء .. ويفرطن فى نقشه بسخاء على وجوههن فى تلك المناسبات الهامة وكأنه جواز مرورهن إليها ومن دونه فربما لن يتمكن من الشعور بالفرح

آه أيها الفرح .. كم من الجرائم تُرتكب باسمك
صخب وضجيج وتبرج وتبذير كلها تدعى أنها تنتمى إليك وأنت منها برىء

تشاغلت بتأمل الوجوه الملونة بطريقة غير مباشرة حتى لا أصطدم بنظرة لا أريد رؤيتها أشد حلكة من كحل صاحبتها .. أو من شفاة تصطبغ بالأحمر وتلقى بابتسامتها الصفراء نحوى .. لا أدرى لماذا تحولت إلى محور الكون فى هذا الحى؟ .. لست الآنسة الوحيدة هنا أم لكونى أكبر فتياته عمرا وما زلت أحمل اللقب اللدود

هل كبرت عليك حقا؟ .. هل ضاقت حروفك بى وتتمنى لفظى من داخلها؟ .. ألم تعد تناسبنى أبدا .. فماذا أفعل لك إذن .. ماذا أفعل لكم جميعا لأنال بعض من رحمة قد هجرت قلوبكم

- عقبالك يا أحلام

اخترقت الكلمة أذنى للمرة العشرون أو الثلاثون أو ربما المائة .. وكل مرة تصل لمسامعى رغم الضجيج من حولى .. وكأنه يخفت خصيصا ليصلنى كل حرف منها .. هززت رأسى بابتسامة زائفة وأنا ابتلع فى صمت ما ترمى إليه

وصلت العروس أخيرا .. صوت أبواق موكب السيارات يمتزج بصياح الأطفال معلنا ذلك .. وبعد فترة دخلا العروسان ومرا بين الحضور حتى جلسا فى مكانهما والعيون كلها تتابعهما فى شغف وتتباين المشاعر بين فرح وانبهار وحسد

كانت سمر تبدو أجمل من المعتاد .. اختفت بشرتها الخمرية خلف الطلاء الساحر فأصبحت ناصعة البياض .. وتبدو عينيها أكثر اتساعا من حقيقتها .. وتتألق شفتيها المصطبغة بطلاء رقيق يماثل فستانها الوردى الأنيق فى لونه الهادىء

ما أجمل أن تكونى عروس تلتف حولك العيون ولا تبالى وقتها لكل نظرة وما تحمله من معان .. فقد عبرتِ ذلك الحاجز الذى يسجنكِ خلفه وجاء الفارس ليعبر بكِ جسر الأحلام إلى حيث واقع أكثر جمالا .. تجنبت النظر إلى فارسها حياء .. ليس من اللائق التفحص فى ما يخص الآخرين .. أليس كذلك؟

- شفتى يا أحلام .. عريس زى القمر .. والله أحلى من سمر بكتير .. يا بختها


التفت نحو سوما التى نطقت بعبارتها فى حسد واضح وهى تحدج سمر بنظرة نارية تنافس أصباغها جميعا توهجا وقوة .. هززت رأسى بصمت وأشحت بوجهى عنها بينما توجهت هى بخطوات الطاووس نحو سمر وقد أتقنت وضع قناعها الزائف وهى تسلم عليها وتمنحها قبلة باردة

يبدو أن أحدا لن يرتاح فى هذه الحياة .. نحن مهووسون بالآخرين .. نراقبهم .. ننقدهم .. نتفنن فى اكتشاف نواقصهم وكأننا ضمنا الكمال لذواتنا التى يراقبها آخرون دون أن ندرى وتدور الدائرة الأبدية .. يا لطبائع البشر العجيبة

أخذتنى أفكارى بعيدا عن كل شىء وارتفعت بى عن الصخب والضجيج والأقنعة الزائفة والمشاعر المفتعلة والكلمات المجردة من الإحساس حتى أننى لم أشعر بأمى وهى تجذبنى من يدى لنبارك للعروس .. وجدتنى أمامها فجأة .. نفضت عنى شرودى وأنا أمد يدى نحوها وأتمتم بعبارات المباركة المعهودة وأنا أتساءل داخل نفسى .. هل كنت صادقة حقا .. أم ترانى انضممت لركب البشر ووضعت القناع على وجهى دون أن أشعر؟!

سلطان الشوق 22-03-2014 01:06 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(7)
لقب جديد

أخيرا عاد الهدوء للحى .. وعاد الصمت الحبيب يلف ما حولى وينزع عنى تلك الآلام التى كانت تفترس رأسى من صخب حفل أمس .. وعاد كل شىء لحاله .. ما عدا أغراضنا هى الوحيدة التى لم تعد بعد من بيت أم العروس .. يبدو أنها فضلت البقاء لتنعم بجو الفرح السائد هناك عوضا عن البقاء معنا لترقد بصمت وتنتظر حدوث معجزة ما لتخرجها للنور .. فأمى لا تمس تلك الأغراض المخصصة لكبار الزوار وبالأخص العريس المنتظر الذى لا نصيب له فى استخدامها حتى الآن .. لا أدرى أى كرم حاتمى تملك أمى لتدفع بأغراضها الثمينة تلك إلى مصير مجهول داخل السيرك الذى أقيم أمس فى بيت الجيران .. ربما أرادت لها أن تنال بعض بركات العروس لتنقل لنا عدوى الفرح قريبا

حقا أنا لا أفهمكِ يا أمى

لم أهنأ طويلا بالهدوء الجميل .. فقد هبطت فوق رؤوسنا فجأة ابنة خالتى العزيزة (ماجدة) ومشاغبيها الثلاثة الصغار القادرين على محو مفردة الهدوء من قاموس الكون ذاته .. فقد بدأت العاصفة فور دخولهم إلى البيت .. الوداع أيها الهدوء

رسمت ابتسامة على وجهى وخرجت لاستقبالهم .. كانت ماجدة كالعادة عابسة الوجه لا تكف عن التذمر والشكوى من كل شىء .. سلمت عليها وجلست جوارها استمع بصبر لحديثها مع أمى الذى لا يتعدى الشكوى من زوجها الذى لا يقدر جهودها ومن أطفالها الذين أتعبوها كثيرا ولم تعد تحتملهم وعن الأعباء التى تتحملها وحدها وعن طاقتها التى شارفت على النفاذ .. وكانت تقطع حديثها من حين لآخر لتصرخ فى أحد صغارها تارة .. وتهدد آخر بقطع أذنيه تارة أخرى .. وتكتفى بقذف حذاءها على الأخير

كانت نموذج مجسد للسخط على كل شىء .. لا تجد فى حياتها شىء يشعرها بالرضا .. لا تكف عن الرثاء لنفسها وتذكر كيف كان حالها قبل الزواج وتلعن حماقتها التى دفعتها للزواج يوما ما

يا للبشر .. متى يشعرون بالرضا .. ليتكِ تعرفين أى نعم تحيط بكِ ولا تريدين رؤيتها .. ليتك تقدرين عطية الله لكِ وتحمديه عليها بدلا من التذمر منها .. أتدرى كم فتاة تتمنى مثل حياتكِ؟ .. كم فتاة تحلم ببيت وزوج وأسرة .. أتدرى كم زوجة تتمنى طفل واحد يملأ عليها حياتها حتى وإن لم يكف عن الصخب لحظة واحدة؟ .. لو فكرتِ قليلا يا ماجدة لحمدتِ الله كثيرا

أفقت من شرودى على حديثهما .. كانت أمى تحاول تهدئتها وكانت لا تزال ترغى وتزبد وتلعن الزواج وأيامه .. وبعيدا عن أى تعقل خرجت كلماتها كالسهام المسمومة وهى تقول

- يا ريتنى ما كنت أتجوزت أبدا .. يا ريتنى عنست زى أحلام

توقف كل شىء فجأة ولفنا صمت مهيب بعد جملتها الأخيرة .. شعرت بالعرق البارد يغمرنى وستة أزواج من العيون تحملق بى .. فقد توقف الصغار عن صخبهم مع مى ووقفوا جميعا يرقبوننى تتباين فى عيونهم النظرات وتجتمع على الإمعان فى تعذيبى

نظرت لوجه ماجدة الذى غادرته مياه الحياة وبدت كالشبح .. أعرف أنها لم تقصد ما رمتنى به .. ولكن من يمكنه أن يعيد كلمة قالها وأصاب بها ما أصاب .. استجمعت شجاعتى الهاربة وشحذتها لتنطق شفتاى بابتسامة لا أدرى كيف شقت مكانها فى وجهى
- احمدى ربنا على نعمته يا ماجدة

تمتمت هى ببعض كلمات مبهمة وهى تقوم بسرعة تلملم شتات نفسها الغارقة فى الخجل وتلملم أطفالها وتغادرنا منكسة الرأس تتعثر فى خطواتها .. غابت نظرات أمى التى تتفحص الأرضية هربا من النظر لوجهى حتى لا أرى تلك الدمعة اللامعة التى تقف بحيرة عند جفنها لا تدرى هل تسيل بمجراها الطبيعى أم عليها الانتظار؟ .. قمت من مكانى لأقسح لها الطريق علها تريح نفس أمى المهمومة بى .. دخلت إلى حجرتى وكلمة ماجدة ترن فى أذنى بلا توقف

ماذا أفعل الآن؟ .. لا رغبة لى بالبكاء .. لا رغبة بى أبدا

انفجرت بالضحك .. نعم نوبة ضحك هستيرية من النوع الذى يدمع العينين .. كلا لم أجن بعد .. لكنى وأخيرا تخلصت من اللقب اللدود

لم أعد آنسة

فقد أصبحت

عانس

أغمضت عينى وأنا ابتلع حروف الكلمة الثقيلة

تماسكى يا أحلام .. واقبلى الواقع .. وليعينكِ الله

سلطان الشوق 22-03-2014 01:07 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(8)
أيام حزن


الأيام تمر ومساحات الحلم تتقلص واللون الوردى ينسحب تدريجيا أمام رمادية واقعى
دفنت نفسى بين الكتب فى المكتبة وانغمست فى عملى
لم يعد عم حامد قادرا على متابعة عمل المكتبة لمرض ألم به وأجبره على ملازمة الفراش .. كنت أزوره من حين لآخر لأطمئن عليه وأطمئنه على كتبه الأثيرة التى يوصينى بها كل مرة .. كنت أشعر أن الكتب لديه كأبناء لم يشأ الله أن يهبه إياهم .. كنت أرى الرضا بقضاء الله على وجهه ووجه زوجته العجوز الطيبة التى شاركته العمر بكل ما فيه ورضيت بما كتبه الله لهما

كم كنت أراهما رائعين وتمنيت أن أرى نفسى بعد رحلة العمر زوجة صالحة لزوج طيب يؤنس نفسى ويعيننى على الأيام

كم أخشى الوحدة .. كم ترعبنى فكرة البقاء وحدى ككابوس يداهمنى كلما مر العمر بى ولا شىء ينبىء بأن الحلم قد يتحقق

غفرانك يا رب .. ليس لى الاعتراض على مشيئتك .. سأرضى بما كتبته لى .. فافرغ اللهم صبرا فوق ذلك القلب الذى خلقت لى

مضيت فى طريقى للبيت وصورة الزوجين الطيبين لا تفارق مخيلتى

لا أدرى لم خطرت صفاء على بالى فجأة .. كيف نسيتها؟ .. أردت الاطمئنان عليها .. اتصلت بها وردت علىّ والدتها وأخبرتنى أن صفاء تم زفافها .. وأخبرتنى أيضا أنهم لم يقيموا لها حفلا .. فقط ذهبت مع زوجها فور عقد قرانهما .. يا إلهى هل حُرمت حتى مظاهر الفرح التى تنتظرها كل فتاة .. حتى وإن كانت زائفة .. أغلقت الهاتف والألم يعتصرنى .. ترى كيف حالها؟.. لا يمكننى تخيل حياتها الآن والتى بدأت بجريمة فى حقها .. صبركِ الله يا صفاء

لا أدرى لم يحمل لى كل يوم عبئا جديدا يلقيه فوق قلبى المسكين الذى لم يعد قادر على احتمال المزيد

وما أن أصبح يوم جديد حتى جاءنى بخبر كجبل من صخور انهار فوق رأسى ليدفنى تحته

أما اكتفيت منى أيها الحزن

أما اكتفيت!!

سلطان الشوق 22-03-2014 01:07 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(9)
الرحيل


انتهت مراسم العزاء

وتوارى الجسد تحت التراب

وبقى طوفان من الحزن يجتاح قلوب تعلقت بالراحل الطيب

قادتنى خطواتى إلى المكتبة

احتضنت كل الكتب الحبيبة وأفرغت دموعى بين أوراقها

شعرت بحزنها على أبيها وعاشقها وحارسها الأمين

شعرت بيتمها من بعده

من سيرعاكِ ويقدركِ كما كان يفعل

رحمك الله يا عم حامد

عدت إلى البيت بخطوات ثقيلة وقلب أشد ثقلا

كم بت أشفق على هذا القلب البائس

الذى لا تعرف له الفرحة عنوان

ماذا سأفعل الآن؟

الحزن يعصف بى ويلون كل ما حولى بلونه القاتم

أشعر بطعم المر فى حلقى

وغيمات المطر تغشى عينى وتنذر بالهطول
أرى صورته أمامى ووجه العجوز الطيب ووصيته لى بكتبه

أرى وجه أرملته الطيبة وقد فتتها الحزن إلى أشلاء بعد رحيل شريك العمر ورفيق الدرب وتركها وحيدة

أيتها الوحدة .. يا كابوس يؤرقنى .. ما بال تلك العجوز .. كيف ستحتملكِ؟ .. من سيرفق بها؟ .. من سيبعد شبحكِ عنها؟

من؟

- البقاء لله يا أحلام

- ونعم بالله

ربتت اليد الحنونة على كتفى قبل أن تغادرنى .. أسمع وقع خطواتها تبتعد وصرير الباب يُغلق خلفها .. انتفضت على صوته بفزع وأسرعت نحوه وفتحته على مصراعيه وأضأت كل الأنوار وفتحت النافذة لأتلقى النسمات الباردة على وجهى وقد بدأ مطر عينى فى الهطول ليصب فى بحر الأحزان الجشع الذى لا يعرف حد الاكتفاء

رفعت عينى إلى السماء .. تمثل الوجه المتغضن أمامى وابتسم لى .. صورته تتماوج وتمتزج بدموعى قبل أن تذهب كما ذهب صاحبها

رحمك الله يا عم حامد

سلطان الشوق 22-03-2014 01:09 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(10)
العــــــــائد



يوم آخر يمر ببطء .. ما أقسى الفراغ .. لقد افتقدت المكتبة .. واشتقت لكتبى الحبيبة هناك .. لا أعلم إلى متى ستظل المكتبة مغلقة .. أرملة عم حامد لا تكاد تفيق من الحزن .. ولم أتمكن من محادثتها بهذا الشأن الآن .. كم يؤلمنى أن ينتهى الأمر على هذا الحال

وصية عم حامد تؤرقنى .. يجب أن أحافظ عليها وأعتنى بكتبه الأثيرة .. ولكن كيف سأتمكن من ذلك الآن؟ .. كيف؟

- أبلة أحلام .. أبلة أحلام

لا ينقصنى سواكِ الآن .. تنهدت فى صبر وسألتها
- فيه إيه يا مى؟

أخذت أنفاسها تتلاحق من مجهود عدوها من الشارع حتى البيت
أشرت لها أن تهدأ قليلا حتى أفهم ما تريد قوله

قالت بعد لحظات

- المكتبة
- مالها؟
- فيه عربية كبيرة واقفة عندها وبيلموا فيها الكتب
- إيه!

لا أدرى متى ولا كيف كانت خطواتى تركض فى اتجاه المكتبة ليذهلنى ما رأيت .. بعض العمال ينقلون الكتب إلى سيارة تقف أمام المكتبة .. اندفعت نحوهم وأنا اهتف بهم

- انتوا بتعملوا ايه .. واخدين الكتب على فين؟

لم أتلق ردا .. فازداد غضبى وقطعت عليهم الطريق وأنا أتشبث بكتبى الحبيبة

- مفيش كتاب واحد هيخرج من هنا .. فاهمين

- مين حضرتك؟


التفت نحو مصدر الصوت ليطالعنى وجه شاب يقف عاقدا ذراعيه أمام صدره وعينيه تتفحصنى بصمت

تقافزت شياطين الغضب من عينى وأنا أقول
- انت اللى مين .. وواخد الكتب دى على فين .. مين اللى سمحلك بكده

أجابنى بذات البرود

- ما قولتيش مين حضرتك

ابتلعت غضبى وأجبته

- أنا المسئولة عن المكتبة دى وكل اللى فيها أمانة فى رقبتى فى غياب عم حامد

- الله يرحمه

أعادتنى كلماته للواقع فغياب عم حامد سيطول كثيرا .. كثيرا جدا

أدرت ظهرى له لأدارى دمعة حزن انسابت رغما عنى قبل أن أسأله

- وتبقى مين حضرتك؟

- أنا خالد ابن أخوه

التفت نحوه ببطء .. عجبا لم يحدثنى عم حامد عنه أبدا .. وأين كان هو طوال السنوات الماضية .. لم لم يتذكر عمه سوى الآن بعدما رحل
ارتسم السؤال فى عينى ورسم ملامح استنكار على وجهى دفعته ليسرع بالإجابة عليه

- كنت مسافر .. ورجعت بعد ما بلغنى الخبر

أشرت إلى كومة الكتب الملقاة فى السيارة وأنا أقول

- وراجع تهدم حلمه بعد ما راح .. هتعمل ايه فى الكتب اللى كان معتبرها أولاده وكان بيوصينى عليها كل يوم .. هتحرقها ولا هترميها ولا هتبيعها برخص التراب اللى صاحبها تحته

- انتِ بتقولى ايه؟

قلت بثورة

- باقول اللى بتفكر فيه دلوقت .. خلاص عمى مات وحلمه مالوش مكان .. وأنا أولى بحق المكتبة من شوية ورق محدش عارف قيمتهم

رفع حاجبيه فى دهشة من غضبى وقبل أن يفتح فمه كنت أدرت ظهرى له وابتعدت

هتف بصوت مرتفع
- لو سمحتِ يا مدام

التفت له بنظرة مرعبة كما لو كان قذفنى بقالب من الطوب .. وليعلم الله أن كلمته أشد إيلاما ووجدتنى أصرخ فى وجهه

- آنسة .. اسمى آنسة أحلام
- انتِ عصبية ليه كده
- لو كنت عشت عمرك بين الكتب دى وحبيتها زى ما عم حامد حبها مكنش هيهون عليك تعمل فيها كده

مسحت وجهه بأكثر نظرات الضيق والاشمئزاز إيلاما وأنا أقول
- الله يرحمك يا عم حامد

ومضيت فى طريقى إلى البيت وقلبى يعتصر ألما على كتبى الحبيبة
أطلقت تنهيدة من أعماق صدرى ورفعت عينين دامعتين للسماء وأنا أردد
- سامحنى يا عم حامد

سلطان الشوق 22-03-2014 01:09 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(11)
ومات الحلم



أيام أكثر بطئا وأشد مرارة مرت علىّ .. لقد كان داخلى بعض من أمل أن يتحسن الحال وتعود المكتبة العتيقة للحياة وترى الكتب نور الشمس من جديد .. والآن كل شىء مصيره إلى المجهول .. ترى ماذا فعل ذو القلب الصخرى بكتبى الحبيبة؟ .. لو كنت أملك لكنت اشتريتها جميعا وخزنتها فى غرفتى حتى ولو لم يعد لى مكان فيها بعدها .. لكم يؤلمنى فراقها .. لا أدرى كم بكيت حتى تورمت عيناى

نظرت للمرآة وأنا امسح دموعى بأطراف أناملى .. لا أدرى لم رنت كلمته فى رأسى ( مدام) .. لماذا نادانى بها .. هل أبدو مدام حقا .. ولكن كيف هو شكل ( المدامات) اللاتى بت أشبههن

بدأت فى البحث عن كل مدام مرت بذاكرتى وأتفحص ملامحها بعين خيالى وأقارنها بتلك القابعة فى مرآتى

بحثت عن آثار قد تكون تركتها أعوامى الثلاثون على ملامحى دون أن ألحظها .. حتى أننى فتشت عن تجعيدة ما تزحف على وجهى أو ربما شعرة بيضاء مندسة بين خصلاتى

لابد أننى جننت حتما

تبا لك يا خالد

خالد .. كيف حفظت اسمه بتلك السرعة .. تذكرته وهو واقف أمامى بقامته المتناسقة وشعره الأسود وبشرته الخمرية .. يبدو أنه يصغرنى بعدة أعوام .. ما شأنى أنا بكل هذا؟ .. ترى ما الذى ينوى فعله بالمكتبة .. فمساحتها لا بأس بها .. وكم من مرة حاول صاحب محل الملابس الجاهزة الذى تعمل به سوما أن يعرض على عم حامد العرض تلو الآخر حتى يبيعه المكتبة ليحولها لمحل جديد .. ربما سيتمكن من إقناع الوريث الجاحد بذلك .. ليحتل القماش مكان الورق .. ويحل الكساء محل غذاء العقل .. تخيلته وقد افتتح المحل الجديد وصوت الصخب المزعج الذى لا يتوقف فى محله يدوى ليعصف بهدوء الحى

ضغطت بكفىّ على أذنى لأحميها من ضجيج وهمى لا يوجد سوى فى رأسى

لا .. هذا لن يحدث أبدا .. ولكن ما الذى بيدى فعله؟

- شفتى يا أبلة أحلام

خبر جديد من وكالة الأنباء المحلية فى بيتنا

- خير يا رويتر
- مين روتر ده؟!
- ده واحد صاحبنا شبهكِ كده
- آه
- خير فيه ايه؟
- المكتبة

سألتها بتوجس
- مالها تانى؟

اتسعت عيناها فى انبهار وحركت يديها فى كل الاتجاهات وهى تقول

- بقت حاجة تانية .. بيصلحوا فيها وبيلونوها بألوان حلوة وركبوا بلاط بيلمع .. بقت حلوة أوى يا أبلة

قلت من بين أسنانى
- عملتها يا خالد
- بتقولى حاجة يا أبلة؟
- لا يا حبيبتى روحى انتِ دلوقتى ولو شفتيهم حطوا المانيكانات ماتجيش تقوليلى

- مين المكنيكانات ده؟!

وبصرخة كينج كونج
- امشى من وشى

اختفت من أمامى فورا وعدت أجز على أسنانى وأهتف بحنق
- منك لله يا خالد

سلطان الشوق 22-03-2014 01:10 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(12)
أشياء تحدث


تفاديت فى الأيام الماضية أن أمر بالمكتبة حتى لا يقتلنى الحزن عليها .. وكنت أزور أرملة عم حامد من حين لآخر فقد جلب الحزن المرض لجسدها النحيل .. كانت تنسحب ببطء من الحياة وتتمنى اللحاق بشريك العمر .. لم يعد هنالك ما تتمسك به لتعود للحياة وقد أخفيت عنها ما فعله ابن الأخ العائد بحلم الراحل الطيب

فى إحدى المرات بعدما أنهيت زيارتى لها وما أن خرجت من باب البيت حتى اصطدمت به .. توقفت للحظات انظر له ببلاهة .. كيف نسيت أنه قريبها وقد يزورها أحيانا .. منحته نظرة قادرة على شطره نصفين قبل أن أشيح بوجهى عنه وتتوجه خطواتى نحو الدرج

- يا آنسة

توقفت دون أن ألتفت له

- هو حضرتك متضايقة منى ليه؟

التفت له ببطء وأثر بلاهة سؤاله على وجهى .. نظر لى بحيرة وحاول أن يقول شيئا ما لكن يبدو أن النظرة التى ارتسمت فى عينى أصابته بالبكم .. التفت وأكملت طريقى وتركته يحدق فى الفراغ

كم كنت أتمنى لو كيلت له الكلمات ليعرف فداحة ما فعل .. ولكن احتراما لصلة القربى بينه وبين عم حامد منعنى من ذلك

كنت غارقة فى أفكارى حين قطعها صوت آخر شخص أحتمل رؤيته الآن

- أحلااااااام

التفت لها بغيظ .. لا داع أبدا أن يسمعها الحى كله وهى تنادينى كما لو كنت فى مجرة أخرى .. ابتلعت غيظى وقلت بابتسامة صفراء

- أهلا سوما

انقضت علىّ بوابل من القبلات الحارة تركت آثارها الحمراء على وجهى من جراء طلاء شفاها الدموى وهى تقول

- وحشتينى يا أحلام .. كده تغيبى عننا المدة دى كلها

مسحت ما باستطاعتى من آثار العدوان وأنا أجيب

- معلش بقى ظروف انتِ عارفة

قالت وهى تلوك اللادن وترسم نظرة إشفاق فى عينيها

- آه والله زعلت أوى على عم حامد الله يرحمه

- الله يرحمه عن إذنك يا سوما

أمسكت بى قبل أن تهتف
- استنى مش تعرفى الأخبار الجديدة

- لا الأخبار عندى من زمان مبروك عليكوا المحل الجديد

نظرت لى بدهشة وقالت

- محل جديد!

- ايه معندكيش خبر

شردت بعينيها وهى تقول

- أبدا .. مين قالك إن فيه محل جديد

نظرت لها بعدم استيعاب وأنا أقول

- أمال مين اللى اشترى المكتبة وبيجددها؟

قالت لى بأسلوب الواثق من معلوماته
- مين قالك انها اتباعت .. اللى أعرفه انها زى ما هى

- انتِ متأكدة ؟!

شمخت بأنفها بثقة وهى تقول
- مش عيب السؤال ده .. ده أنا سوما

تركتها والذهول يعترينى ووجدتنى أقف هناك أمام المكتبة .. فعلا لقد اختلفت كثيرا .. تم تجديدها بالكامل .. لكن لم أتبين بعد ما الذى ستكون عليه بعد ذلك .. لا يهم .. قد لا يكون باعها لصاحب محل الملابس .. ربما باعها لآخر .. أو ربما يريد هو تغيير نشاطها لآخر أكثر ربحا .. ربما مقهى انترنت اعلم انه مشروع مربح هذه الأيام .. ربما صالون حلاقة .. لكن لم أجد أى مرايا هناك .. لابد أنه (سوبر ماركت) خاصة مع كل الأرفف الموضوعة هناك
فى كل الأحوال لن تعود المكتبة أبدا لسابق عهدها

وفى كل الأحوال أيضا

منك لله يا خالد

سلطان الشوق 22-03-2014 01:11 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(13)
ع


لا أدرى لماذا يطاردنى بهذا الإصرار .. كأن لم يعد على وجه البسيطة غيرى .. أريده أن يختفى من الحياة .. أريد أن أمحوه من الأبجدية كلها

ما هو؟

حرف الـــ (ع) طبعا

لم تلك النظرة .. قل لكم لم أجن بعد

حرف الــ (ع) المبجل بعدما منحنى لقب عمرى (عانس)

جاء وأهدانى هديته التالية (عاطلة)

أصبحت ( ع x 2 )

عانس وعاطلة عن العمل أيضا .. ترى ماذا سينتوى أن يهبنى بعد ذلك .. اعتصرت ذهنى بحثا عن كل مفردة تبدأ بالحرف اللدود حتى توقفت عند الكلمة الوحيدة التى بخل بها علىّ حتى الآن

(عريس)

لماذا تتغاضى عنها إذن؟ .. ألست أنت من بدأ حروفها .. أم لعلك تنتقى من كلماتك ما يزيد آلامى لتقذف به فى وجهى وتلصقه بى دون ذنب

أنا أكرهك أيها الــ (ع)
لم أعرف أننى كنت أقولها بنبرة عالية دفعت زوجين من العيون إلى التحديق بى فى توجس

نظرت لأمى ومى نظرة أجبرتهما على تصنع الانشغال عنى والهرب فورا من أمامى

يا للسمعة الشنيعة التى ستطاردنى من الآن فصاعدا

لا يستبعد أبدا أن أحصل على لقب جديد

(عبيطة)

هل أصبحت الآن ( ع x 3 )؟

ألم أقل لك أننى أكرهك أيها الـــ (ع)

تناهى إلىّ صوت أمى بعد صرختى الثانية وهى تتمتم

- عليه العوض

(عوض .. ع تانى .. لااااااااا .. كفااااااااااية .. حرااااااااااااااااام)

سلطان الشوق 22-03-2014 01:13 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(14)
مفاجأة


تغيرت كثيرا تلك الفترة .. لست على ما يرام .. أصبح كل من فى البيت جميعا يتجنبونى ويتحاشون الاحتكاك بى .. لقد أصبحت عصبية جدا
(عصبية) .. من لا يؤمن بنظرية المؤامرة هل يجد لى تفسير لهذا الحرف العشرى الذى لا يفارقنى
عشرى !! رحماك يا رب
- أ أ أبلة .. أ أحلام


قالتها مى وهى تأخذ ساتر خلف المقعد
وبنبرة نافذة الصبر
- اممممممممممم
سمعت دقات قلبها تدوى وهى تقول
- فيه تليفون عشانك يا أبلة
واختفت فورا من أمامى قبل أن أقذفها بالمزهرية رغم أننى لم أكن أنوى ذلك مطلقا
اتجهت نحو الهاتف وبنبرة تجمد الدماء فى العروق
- نعم
- مساء الخير
أجابنى الصوت الرجالى الغريب
- مين حضرتك؟
- أنا خالد
(خالد .. هل سمعت هذا الاسم من قبل؟)
- خالد مين؟
- خالد صاحب المكتبة


عادت لى الذاكرة دفعة واحدة وأيقظت الذكرى النمرة الحبيسة داخلى لتنشب مخالبها فى وجه هذا الجاحد صرخت فيه بحنق
- صاحب المكتبة راح خلاص .. ما تنسبهاش لنفسك
- يا آنسة ....
- انت بتتصل ليه دلوقتى ؟
- أنا .....
- وجبت رقم تليفونى منين؟
- الرقم .........
- ومين سمحلك تتكلم معايا أصلا؟
- يا آنسة اهدى شوية عشان أفهمك
- تفهمنى ايه
- أنا عايزك فى شغل
شغل؟
- أيوة
- آه .. ده فى نت الكافيه
- نت كافيه ايه؟
- آه يبقى صالون الحلاقة
- حلاقة!!
- خلاص يبقى فى السوبر ماركت آهو برضه الجبنة والزيت أحسن من شوية الكتب
- انتِ بتقولى ايه؟
- باقول آسفة .. أنا بعد المكتبة مش هاشتغل فى حاجة تانية
- ومين قال هتشتغلى فى حاجة تانية
- قصدك ايه؟
- ما هو بس لو اديتينى فرصة هافهمك
- ......................
- آلو
- ايه باديلك فرصتك وبرضه ما قولتش يبقى مع السلامة
- استنى بس انتِ دايما عصبية كده
- مع اللى يجيبوا العصبى بس
- الله يسامحك
- اتفضل اتكلم
- أنا عايزك ترجعى تشتغلى فى المكتبة تانى
- أى مكتبة ما راحت وراحت الكتب بتاعتها
- معندكيش خبر
- خبر ايه؟
- انها رجعت
- هى مين دى
- الكتب
- يا سلام على أساس إنها راحت تصيف ورجعت بالسلامة
- لأ على أساس راحت تتخزن لغاية ما المكتبة تتجدد وبعدين ترجعلها تانى

لحظة صمت مصحوبة بذهول يشوبها التوتر ويغمرها عرق الخجل البارد
- الكلام ده صحيح يا أستاذ خالد


لحظة توجس أصابته من تغير نبرة صوتى مصحوبا بمنحة احترام غير متوقعة ثم جاء صوته وهو يقول
- طبعا .. أنا عمرى ما فكرت انى أغير نشاط المكتبة وأنا عارف هى كانت إيه بالنسبة لعمى


ابتلعت توترى وخجلى وأنا أقول
- يعنى مفيش حاجة اتغيرت
- اتفضلى شرفينا بكرة وانتِ تشوفى بنفسك
- إن شاء الله .. أنا ...


حاولت أن اعتذر عن كل ما فعلت وقلت لكن خانتنى شجاعتى
- أنا هاجى بكرة إن شاء الله
- مع السلامة
- مع السلامة

سلطان الشوق 22-03-2014 01:14 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
وضعت السماعة وقلبى يتقافز فرحا كطفل صغير .. هل عادت المكتبة حقا .. هل سيستمر حلمك يا عم حامد بعدما ظننته توارى معك تحت التراب .. حمدا لك يا رب .. أخذت أدور حول نفسى فى سعادة قبل أن أتوقف فجأة بعدما لاحظت المشاغبة الصغيرة تتطلع نحوى بدهشة من مخبأها خلف الستار .. جذبتها فجأة وهى تشهق بفزع وأجلستها أمامى وأنا أقول
- مى يا حبيبتى ليه ماقولتليش ان الكتب رجعت المكتبة تانى

قالت لى برعب
- حضرتك اللى قولتيلى ماقولكيش يا أبلة
- أنا!!
- أيوة .. حتى قولتيلى لما المكنيكانات تيجى ماقوليكيش

نظرت لها بغباء للحظات قبل أن أقول
- وهى الكتب بقت مكنيكانات يا ذكية
- يمكن ده اسمها الجديد

لا فائدة حقا من الحديث مع تلك العبقرية .. هناك لغة واحدة فقط للتعامل معها لا تحتاج لكلمات .. فهمت هى ما أنتويه وقامت بالهرب فورا قبل أن أتمكن من الحصول على ما يمكننى قذفها به دون أن يتسبب بإصابات بالغة .. لا أدرى لماذا أخفت أمى كل تلك الأسلحة المصرح بها دوليا عنى .. لابد أنها ما تزال تشك بى وبقواى العــــ ....

لا .. ألم نتفق معا على حذف حرف الــ (ع) هذا من حياتنا

من تحدث عن العقل إذن؟!!

سلطان الشوق 22-03-2014 01:15 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(15)
عـــــــودة


لا أدرى لم يخفق قلبى بهذا الشكل .. أشعر كما لو كنت ذاهبة للعمل لأول مرة فى حياتى .. أخطو خطوة وأتراجع خطوتين .. توقفت قليلا وأخذت نفس عميق وشددت قامتى وتوجهت نحو المكتبة الجديدة .. نعم جديدة لم يعد هناك ما يشير لكونها ذات المكتبة العتيقة التى عملت بها لسنوات مع عم حامد .. أصبحت شيئا براقا .. خطوت للداخل وأنا أتفحصها بانبهار

الكتب تبدو أكثر أناقة وقد اصطفت فوق رفوف المكتبة فى نظام ويبدو أن أحدهم قد قام بتنظيمها وتقسيمها لأقسام عدة .. مجهود كبير تم لتخرج المكتبة بتلك الهيئة المشرفة .. هناك مكتب صغير وأمامه ينتصب فى شموخ جهاز حاسب آلى .. وهناك ماكينة تصوير مستندات جديدة وبعض الأدوات المكتبية .. لقد تم إضافة نشاط آخر للمكتبة إذن .. لا يهم .. المهم أن الكتب العزيزة عادت لبيتها على أفضل ما يكون ..أين أنت يا عم حامد لترى حلمك فى ثوبه الجديد

- صباح الخير

انتفضت على الصوت الذى فاجأنى من خلفى وقطع علىّ أفكارى
التفت ببطء والخجل يكبلنى وأنا أغالبه لأرد عليه دون أن أنظر لوجهه
- صباح النور يا أستاذ خالد
فاجأتنى ضحكة انسابت منه وهو يقول
- أستاذ خالد!
- طبعا
- غريبة
- هى ايه اللى غريبة؟
- اللى يسمعك وانتِ بتكلمينى امبارح يقول ...
قاطعته بضيق
- يقول عنى قليلة الذوق مثلا
أجاب فى سرعة
- لا العفو .. بس يقول انك مش طايقانى
- الحقيقة انا .. يعنى افتكرت إن ...
- إنى هبيع المكتبة مثلا
- مثلا
- أو أغير نشاطها
- احتمال
- وإيه حكاية الكافيه والصالون ولا السوبر ماركت دول

ابتسمت بحرج وأنا أقول
- دى .. لا خلاص انساهم بقى
- ماشى ممكن نفتح بقى صفحة جديدة
- إن شاء الله

توجه نحو المكتب الصغير وداعب الحاسب الآلى بأنامله وهو يقول
- كل حاجة هتبقى زى ما كانت .. وهتقومى بالإشراف عليها بنفسك .. وأنا هتابع من وقت للتانى

سألته بدهشة
- يعنى حضرتك مش هتكون معانا على طول؟

نظر لى للحظات دفعت عينى للالتصاق بالأرضية اللامعة
- لا أنا هبقى مشغول الفترة الجاية بس ....
واقترب منى قليلا وهو يقول
- بس أنا واثق فيكِ ومتأكد انك هتمشى الشغل كأنى موجود

شعرت بحرارة تلفح كل كيانى وأنا أهز رأسى بصمت وعينى لا تفارق الأرض .. كيف تغيرت من ناحيته بتلك السرعة .. كيف تحولت النمرة الشرسة داخلى إلى تلك الهرة الناعمة المستكينة .. لا أدرى

حقا لا أدرى

مضت نحو نصف الساعة وهو يخبرنى بما علىّ فعله .. والنظام الذى قام بتحميله على الحاسب الآلى والذى يقوم بتنظيم العمل بشكل راقى .. وبعد أن أنهى حديثه معى استأذن بتهذيب وغادر المكتبة تاركا لى فرصة التنفس بصورة طبيعية أخيرا

لا شك أننى أشعر بسعادة لا حد لها .. ولكنى أعجز عن تفسير ذلك التوتر الذى ينتابنى عند الاقتراب من خالد أو الحديث معه

إنه شعور مخيف حقا

أخشى أن أجد له تفسير

سلطان الشوق 22-03-2014 01:15 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(16)
فرصة




الحياة عادة للمكتبة من جديد .. والعمل يسير على ما يرام .. لاشك أن النشاط الذى أضافه خالد للمكتبة قد تسبب فى جذب الزبائن إليها .. كما وأن الكتب قد أصبحت أكثر لفتا للانتباه .. الحق أننى أشعر بالامتنان لخالد على ما فعل .. وكل يوم يمر يزداد خجلى من تصرفاتى معه من قبل .. لقد قام أيضا بزيادة راتبى .. أليس رائعا حقا هذا الخالد

ضغط العمل بدأ يقل تدريجيا .. وأخيرا بعض الراحة .. ألقيت جسدى على مقعد المكتب الصغير وأغمضت عينى قليلا وما أن فتحتها حتى اصطدمت بالطاووس البشرى الماثل أمامى بألوانه الزاهية

- إزيك يا أحلام
- الحمد لله يا سوما

تلفتت حولها فى انبهار وهى تقول
- ياااه إيه الجمال ده
- عجبتك
- أوى .. وانتِ عجباكِ
- أكيد
ثم نظرت لى بخبث وهى تقول
- المكتبة بس
- قصدك إيه؟
- قصدى صاحبها
- أستاذ خالد

هتفت باستنكار
- أستاذ .. انتِ بتقوليله أستاذ؟!
- طبعا أمال أقوله إيه
- ليه يا خايبة شايفاه كبير أوى فى السن عشان تقوليله أستاذ .. ناقص تقوليله عم خالد زى عم حامد الله يرحمه

قلت بضيق
- الاحترام مالوش دعوة بالسن .. ثم انتِ تقصدى ايه بكلامك ده

اقتربت منى وهى تقول
- أنا قصدى مصلحتك .. دى فرصة ما تضيعيهاش من إيدك
- فرصة!
- أيوة فرصة .. شاب محترم وزى القمر وعنده مكتبة ما شاء الله .. هو فيه عريس أحسن من كده

انتفض قلبى وأنا أردد
- عريس

- أيوة طبعا .. بس انتِ ركزى كده وربنا يجعله من نصيبك
- ايه يا سوما الكلام ده .. باقولك ايه أنا عندى شغل مش فاضية زيك
- فاضية .. ياريتنى كنت فاضية .. بس لو مكنتش مخطوبة من سنتين والله ما كنت ضيعت خالد ده من ايدى أبدا

تمتمت فى خفوت
- ده لو كان معندوش نظر

- بتقولى حاجة يا أحلام
- لا يا حبيبتى باقول ده لو كان حظه حلو

داعبت خصلات شعرها بزهو وهى تقول قبل أن تخطو للخارج
- طبعا .. بس مش مهم .. فكرى بس فى اللى قولتهولك أنا عايزة مصلحتك

آه منكِ يا سوما .. لم يكن ينقصنى سواكِ .. لقد ازدادت الفوضى التى تجتاح عقلى الآن .. وصخب الأفكار المتداخلة فيه يعلو .. وزحام المشاعر التى تتخبط فىّ يزداد .. لم يكن ينقصنى المزيد من الحرج والارتباك أمامه .. لقد بت أخجل من نفسى

دق جرس الهاتف وانتفض جسدى على صوته قبل أن التقط السماعة لينساب صوته فى أذنى
- صباح الخير يا أحلام
(هل سمعتم اسمى بهذا الجمال من قبل)
- أحلام
- ها .. نعم يا أستـــ .... نعم
- مالك فيه حاجة
- لا أبدا مفيش .. كله تمام
- طيب مش محتاجة حاجة للمكتبة .. فيه نقص عندك فى أى حاجة
- لا مفيش حاجة ناقصة دلوقتى
- طيب أنا هابقى اعدى عليكوا بكرة إن شاء الله
- تشرف
- مع السلامة
ظلت السماعة ترقد بين كفى ونبراته تتردد فى أذنى كتغريد البلابل .. سيأتى فى الغد .. كم يبدو بعيدا .. متى ستأتى أيها الغد الجميل .. متى ....
(أنا شفت الفيلم ده فين قبل كده .. هو أنا كنت ناقصة يا ربى .. منك لله يا سوما)

سلطان الشوق 22-03-2014 01:16 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(17)
شعور جديد


هناك مشاعر جديدة تغزو قلبى .. إحساس غريب يطرق بابى للمرة الأولى .. لمسة من السعادة والعذاب فى آن واحد .. لأول مرة أعرف معنى الكلمات فى كل رواية قرأتها .. معنى دقات القلب ورعشة اليد وسهاد الليل وأحلام اليقظة .. تبدل بى الحال .. لم أعد أعرفنى .. حتى ملامحى تغيرت .. لمعة عينى وحمرة خدى وتلك النضارة التى تكسو وجهى وتجعلنى أبدو أصغر سنا

آه السن .. كيف نسيت ذلك .. شىء داخلى يشعر أن خالد يصغرنى سنا .. رغم مظهره الرجولى الذى أشعر جواره بأنى طفلة صغيرة .. لكن الواقع يختلف .. ماذا لو كان حقا يصغرنى ببضع سنوات .. يا إلهى .. ما من رجل يرغب فى الزواج بمن تكبره سنا .. لن يقبل أحد بذلك ..

هل سأظل أعاقب طوال حياتى على تلك الجريمة .. هل ستظل أعوامى الماضية تقف حائلا بينى وبين السعادة .. هل ستظل دوما تذكرنى أنى تعديت الخط الأحمر حيث لا مجال للأحلام بعده

ماذا حل بكِ يا أحلام؟ .. من قال لكِ أن خالد يفكر فى الارتباط بكِ .. لماذا تنسجين أحلام من خيوط عنكبوت واهية .. ستتمزق مع أول اصطدام لها بالواقع

نفضت رأسى بيأس وقد تبخرت السعادة من كل خلية فىّ .. وعدت لممارسة أحد أهم طقوس ما قبل النوم

أغرقت وسادتى بدموعى

*****
تلك هى حدودكِ يا أحلام .. يجب أن تقفى عندها صامتة .. فقط عليكِ الانتظار .. والانتظار فقط
كنت غارقة فى أفكارى الخاصة حين دخل خالد إلى المكتبة وابتسامته تزين وجهه
- صباح الخير يا أحلام
هززت رأسى بابتسامة بلهاء وعيناى تتفحص ملامحه التى افتقدتها كثيرا
- إيه الأخبار؟
انتزعت الكلمات من حلقى انتزاعا
- الحمد لله .. كله تمام
- أكيد .. البركة فيكِ

ابتسمت بصمت وتركت له المكتب وشغلت نفسى بترتيب الكتب وأنا أرجو قلبى أن يكف عن الدوى حتى لا يصل صوته إلى الحى كله

نظرت له بطرف عينى .. كان عيناه على شاشة الحاسب وأنامله تنساب على مفاتيحه بسرعة ودقة تثير الإعجاب

أبعدت عينى عنه وحاولت التركيز فيما أفعله .. والحق أنه لم يكن هناك ما أفعله .. لذا عادت كل خلايا عقلى تتآمر علىّ وتتوجه معا نحو خالد .. لم يعد هناك شىء آخر يحتلنى سواه .. كم تمنيت لو انفجرت فى البكاء الآن لأغرق الأرض بدموعى .. لا يمكننى احتمال وجوده معى هنا .. قريبا منى ولكنه أبعد ما يكون عنى .. أى عذاب هذا

انزلقت بعض الكتب من بين يدى .. حاولت أن أجمعها لكن شعور بالدوار منعنى من ذلك .. شعرت بقرب خالد منى بعدما لاحظ إعيائى

- مالك يا أحلام

قربه منى ورائحة عطره المميز تسببا فى زيادة نوبة الدوار وكدت أسقط أرضا .. أسندنى بيديه وأجلسنى على المقعد وشعور بالقلق يغزو عينيه

- فيه ايه يا أحلام انتِ تعبانة

(وتسألنى يا خالد .. لم تعد مفردة التعب قادرة على وصف حالتى)

- استريحى دلوقتى

(ليت الراحة تعرف لى عنوان)

- تحبى نروح لدكتور

(لا يوجد طبيب يختص بأمراض الحب)

هززت رأسى بوهن ولم أستطع الرد عليه

ربت على كفى وهو يقول
- طيب خليكِ مستريحة وأنا مش هتأخر

ابتعد من أمامى فى سرعة .. شعرت بكل كيانى يتأرجح كما لو كان أصابنى دوار البحر .. لا أملك تفسيرا لما يحدث لى .. لقد كنت على ما يرام منذ لحظات فحسب .. هل يمكن أن يكون لخالد كل هذا التأثير علىّ
لمست مكان أنامله على كفى .. أشعر بالحرارة تزداد .. والدوار يكاد يبتلعنى وكل ماحولى كالإعصار

عاد خالد بعد قليل وهو يحمل لى بعض الطعام وعلب العصير والحلوى .. وضعها أمامى وهو يقول
- أكيد انتِ مفطرتيش .. يلا يا أحلام كلى دلوقتى وهتبقى كويسة

(يا لقلبك الطيب يا خالد .. ليت ما بى ينتهى بتلك البساطة)

قلت بوهن
- متشكرة أوى .. بس أنا مش قادرة آكل دلوقتى

أجابنى بنظرة رجاء
- عشان خاطرى يا أحلام

حاولت قول شىء ما فقاطعنى بمرح
- طيب أنا كمان لسه مفطرتش وهافطر معاكِ

وقبل أن أرد كان قد أمسك بإحدى الشطائر وناولنى إياها وقام بتناول الأخرى وهو ينظر لى بابتسامة أذابت ما تبقى داخلى من تماسك .. ذلك الحنان الذى غمرنى به والذى لا يقصد به ما يصل لقلبى يقتلنى ويزيد من عذابى الصامت الذى لن يصل إليه يوما

يجب أن تفيقى يا أحلام .. كفاكِ حلما بالمستحيل

كفى

سلطان الشوق 22-03-2014 01:18 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(18)
الحلم


هل تعرفون شعور الحرمان .. هذا ما يجتاحنى الآن .. السنوات تمر .. وزهرة الشباب قصيرة العمر .. والربيع يعدو سريعا ليزحف بعده الخريف ببطء وليعلن وقتها أنه لم يعد هناك ما ينتظرنى وأن علىّ أن أكمل وحدى حتى النهاية

هل سيكون هذا مصيرى حقا .. هل سأمضى حياتى وحيدة .. لا زوج حنون بجوارى .. لا أطفال يملئون الكون صخبا وحياة .. لا هدف أعيش له ويمنحنى القوة لتحقيقه يوما بعد يوم

أمواج من يأس تغرقنى فى أعماقها السوداء .. ونسمات من أمل تعلو بى حد السماء .. يتقاذفونى فيما بينهما وأنا كريشة تلهو بها الرياح ولا تملك من أمرها شىء

ما أقسى هذا الواقع .. ماذا أفعل لتغييره .. كيف أحصل على حياة طبيعية هى من حقى؟ .. كيف؟

أصبح خالد هو محور حياتى .. أصبح الأمل الذى أعيش به .. وأسعد بقربه وأتعذب فى غيابه .. لكن هل يشعر هو بى .. هل يبادلنى ذات الشعور ويقاسمنى ذات الأمل والألم .. كيف يمكننى معرفة ذلك .. ملامحه لا تشى بشىء .. معاملته الرقيقة لا تتغير .. لا تسكن عينيه نظرة خاصة تعكس ما يمكن أن يحمله قلبه لى .. لا شىء ينبئ بإمكانية تحول الحلم لحقيقة

- مالك يا أحلام
أفقت على صوت أمى وهى تنظر لى بإشفاق يقتلنى
- مفيش يا ماما
- حالكِ مش عاجبنى .. دايما سرحانة .. فيه حاجة يا بنتى

هززت رأسى بصمت وأنا أغمض عينى عن المزيد من النظرات التى تمزقنى .. سمعت تنهيدتها الحزينة قبل أن تغادرنى .. أسرعت إلى حجرتى حتى لا يرى أحد شلالات الدموع التى تفيض من عينى .. أفرغتها فوق وسادتى المسكينة التى لم تعد تحتمل المزيد .. ولا أدرى متى وجدتنى هناك

*****

أقف وحدى على حافة جبل شاهق .. والظلام يلف كل شىء .. والهواء البارد يلفح وجهى ويحرك ثوبى الأبيض الواسع فى كل الاتجاهات .. وأنا أنظر للهاوية المخيفة التى تنتظر سقوطى لتبتلعنى كوحش جائع .. شعور مخيف يتملكنى .. لا أدرى أين أنا ولا ما الذى أفعله هنا .. كل ما أعرفه هو أننى سأسقط لا محالة وتبتلعنى الهاوية ولن يعود لى أثر بعدها .. أغمضت عينى وكل كيانى يرتجف واستسلمت لمصيرى وقبل أن أخطو بقدمى إلى الفراغ ...

- أحلاااام

التفت خلفى بجزع وكادت حركتى المفاجئة تسقطنى من فوق الحافة قبل أن تمتد يده لتسندنى وتجذبنى بعيدا عن الخطر .. نظرت له بدهشة وابتسامته تنير الظلام من حولى

- خالد
- ليه يا أحلام؟
- خلاص يا خالد مفيش أحلام
- لأ فيه أحلام .. والدنيا كلها قدامك حتى شوفى

حرك يده أمامى كعصا سحرية وفجأة أشرقت الشمس وغمر النور كل شىء وامتدت مروج خضراء يانعة وأصوات عصافير تبعث الأمل .. لم يعد هناك ما يخيف .. نظرت حولى فى انبهار وقد تبدد اليأس داخلى .. نظرت إليه ولم أجده .. تلفت حولى أبحث عنه .. وجدته يبتعد .. ناديته .. لم يتوقف .. عدوت خلفه أسقطنى تعثرى فى الثوب الواسع الطويل .. نظرت له وهو يغيب فى الأفق وتودعه دمعة حزن تلمع فى عينى

سلطان الشوق 22-03-2014 01:19 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(19)
عمرك يا خالد


ما زال الحلم يتملكنى .. لا أعرف له تفسير .. فقط أشعر به داخلى .. الظلمة والوحدة والخوف يحيطون بى .. يطبقون على أنفاسى .. ولم يعد هناك سوى أمل واحد أخشى أن يتبدد ويتركنى ليغيب فى المجهول

أعدت تصوير الورقة التى بين يدى للمرة الخامسة بعدما تسبب شرودى فى إفساد النسخ الأربعة السابقة وقد بدأ صاحبها يتململ فى وقفته .. نفضت رأسى وانتبهت جيدا تلك المرة حتى أنهيت التصوير .. لايجب أن يؤثر ما بى على عملى أبدا .. أفيقى يا أحلام

مر نصف اليوم وأنا أتابع عملى بنصف عقل ونصف تركيز .. أتمنى أن ينتهى العمل لأهرب إلى غرفتى وأدفن أحزانى فوق وسادتى وأرحل بعيدا عن كل شىء

ولدهشتى فوجئت بخالد يدخل إلى المكتبة قرب موعد الإغلاق ألقى علىّ التحية وقد بدا عليه الانشغال وهو يحمل حقيبته ويتفحص أوراقها بسرعة .. نظرت له للحظات وقبل أن أسأله إن كان يحتاج لمساعدة ما مد يده لى ببطاقته الشخصية وهو يقول

- لو سمحتِ يا أحلام صوريلى دى نسختين

تسمرت قليلا أمام البطاقة قبل أن أتناولها من بين أصابعه وأتوجه بها نحو ماكينة التصوير .. لم أكن لأجد أفضل من تلك الفرصة لأعرف بها عمر خالد .. أمسكت البطاقة بيد مرتعشة .. حاولت الوصول لتاريخ ميلاده من ذلك الرقم الطويل جدا .. ولكن ارتباكى منعنى من إطالة التحديق بها خاصة وأن خالد يريدها بسرعة .. قمت بالتصوير وأنا أحاول كل مرة لكن نصف عقلى الغائب أثر علىّ بشدة ولم أتمكن من ذلك أبدا .. سلمته البطاقة والصور وقلبى يبكى ندما من ضياع تلك الفرصة الذهبية لمعرفة ما يؤرقنى .. رحل خالد بعدها سريعا تاركا المجال لدموع القهر لتنساب من عينى

لا أدرى لم غيروا تلك البطاقة القديمة حيث كان يُكتب تاريخ الميلاد واضح للعيان بدلا من ذلك الرقم الذى يبلغ طول شريط القطار

ضغطت أسنانى بغيظ وأنا أفكر فى تنظيم وقفة احتجاج لتعود لنا بطاقاتنا الأثيرة .. ربما سأتمكن وقتها من معرفة عمر خالد

هل ستنضمون لى؟

سلطان الشوق 22-03-2014 01:21 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(20)
عمرك يا أحلام

ما عيب الطرق المباشرة .. لم نعشق الطرق الملتوية والدوران حول الأهداف وإهدار الوقت .. علمونا أن أقصر طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم .. لم نكره الخط المستقيم الطيب .. أخبرونى أرجوكم

لذا تجدونى قد قررت اتباع الخط المستقيم والذهاب للهدف مباشرة و....

- انت عندك كام سنة؟

التفت نحوى بتعبير عجيب على وجهه وهو يردد
- قولتى إيه؟

أعدت سؤالى بشجاعة دون أن يطرف لى جفن .. انسابت ضحكة غير متوقعة منه وهو يقول
- غريبة .. بتسألى ليه؟

تصنعت اللامبالاة وأنا أقول
- أبدا أصل شكلك يعنى ...
- ماله شكلى؟

قلت بذكاء أحسد عليه
- بصراحة شكلك أصغر منى ولو انت أصغر منى مش هقولك أستاذ تانى

قام من مقعده أمام الحاسب واقترب منى ليلقى قنبلته فى وجهى عن قرب
- ليه يا أحلام هو أنتِ عندك كام سنة؟

وأسقط فى يدى .. لقد انقلب الأمر على رأسى .. ماذا أفعل الآن؟


هل أتصنع دور أحد ضباط الشرطة المحترمين وأقول له
(متردش على سؤالى بسؤال .. أنا اللى بسأل هنا يا ..... ولا بلاش)


هل أتصنع بعض الرقة وأنا أقول
(حضرتك تقصد إيه بالظبط .. مش فاهمة)


أم هل أتصنع بعض البلاهة وأنا أقول
( انت صدقت ولا إيه .. ده أنا كنت بهزر معاك وأنا مالى إذا كنت من مواليد 9 الصبح ولا كنت بتلعب مع خوفو فى الشارع)


كان عقلى يحاول الوصول لحل سريع يعفينى من الحرج ولكن نظرته الثابتة فوق وجهى أرغمت لسانى على الكلام لتخرج الكلمات خالية تماما من أية محاولة للتلاعب بالحقيقة المرة

- أنا .. احم أنا عندى تــ .. احم تلاتين سنة

عضضت بعدها على لسانى حتى أدميته .. لم لم أقل 29 ونصف مثلا .. بعض التجمل لن يؤذى أحد .. ماذا أفعل الآن وقد بدت تلك الثلاثين كحجر قذفته فى وجهه المندهش المحدق بى فى عدم استيعاب

- بجد يا أحلام

هززت رأسى فى صمت كمن يعترف بجريمته

حرك رأسه فى عدم تصديق قبل أن يبتعد ليجلس أمام الحاسب الآلى ويواصل عمله .. نظرت له فى غباء .. هل حصل منى على تلك المعلومة الثمينة دون أن أعرف أنا عمره حتى الآن .. هذا لن يكون أبدا .. توجهت نحوه بإصرار وأنا أقول

- يبقى كلامى صح .. ومش هاقولك أستاذ تانى

ضحك بمرح وهو يقول دون أن يلتفت لى
- لأ انتِ مش هتقولى .. أنا اللى هاقولك
- تقولى إيه؟

التفت نحوى قائلا ببراءة
- هاقولك أبلة أحلام

للحظة تمثلت المشاغبة الصغيرة أمامى واختلطت علىّ الوجوه حتى أننى كدت أقذفه بأحد الكتب كعادتى مع مى لولا أننى عدت إلى الوعى فى اللحظة المناسبة قبل أن أقوم بارتكاب جريمتى

أعدت الكتاب مكانه وأن أرسل له نظرة نارية قادرة على إحراقه هو وحاسوبه ومكتبته والحى بأكمله

سحقا لك يا خالد .. لماذا جئت للدنيا بعدى .. لماذا؟

أغلقوا آذانكم فضلا .. أريد أن أصرخ من أعماق قلبى

سلطان الشوق 22-03-2014 01:23 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(21)
إحباط


شعور يائس يتملكنى .. أشعر بالمقت لكل ما حولى .. تلك الطعنة التى وجهها خالد لقلبى تقتلنى ببطء .. يا لقسوتك يا أنت .. كيف يمكنك فعل ذلك بى .. هل الفارق بين عمرينا يعطيك هذا الحق

آه يا عمرى .. يا طوق لفته السنون حول عنقى .. يكاد يخنقنى .. يمسك الزمن بطرفه وهو يدور دورته الأبدية وكل دورة تزيد الضغط علىّ حتى كادت تزهق أنفاسى .. وتقتل زهرة شبابى قبل أن تتفتح للحياة .. ما الذى علىّ فعله .. كيف أنقذ ما بقى لى قبل أن يدوسه الزمن .. كيف؟

لاحت منى نظرة للوحة التقويم المعلقة على الحائط .. وجدته هناك .. يتراقص أمامى كالثعبان .. قادنى الغضب نحوه لأنزع الورقة التى تحمله من على التقويم وأمزقها قطعة قطعة .. لتذهب إلى الجحيم أيها الثلاثين البغيض

- أبلة أحلام .. أبلة أحلام

صرخت بلا وعى
- ما تقوليش أبلة أحلام يا خالد .. ما تقوليش أبلة أنت فاهم
- أنا مى يا أبلة

التفت لها ببطء وقد عاد إلىّ وعيى
- عايزة إيه يا مى؟
- انتِ زعلانة ليه يا أبلة

نزلت على ركبتى وأنا أسألها
- ليه بتقوليلى أبلة يا مى
- عشان حضرتك أكبر منى
- وإيه يعنى .. احنا إخوات مش لازم تقوليلى أبلة
- أمال أقولك إيه
- هو أنا مليش اسم
- لأ عندك اسم واسمك حلو كمان
- يبقى خلاص
- بس أنا اتعودت اقولك حاجة قبل اسمك يا أبلة
- مش لازم يا حبيبتى
- طيب خلاص هاقولك حاجة تانية غير أبلة
- حاجة تانية
- أيوة إيه رأيك أقولك طنط أحلام

وهنا تجسدت مردة الغضب كلها أمام عينى .. لا أذكر بالضبط ما حدث .. لكنهم أخبرونى أنهم قد خلصوا مى من بين يدى بصعوبة كبيرة وقد تطلب الأمر تدخل بعض الجيران ذوى البنية القوية للسيطرة على نوبة الجنون التى انتابتنى فجأة والتى لا يدرى أحد سببها ولا حتى المسكينة الصغيرة التى كادت تدفع ثمن كل إحباطات حياتى فى لحظة واحدة

لماذا كل هذا الغضب .. إنه التسلسل الطبيعى للحياة .. والألقاب التى يهديها لنا الزمن .. أنا اليوم (أبلة أحلام) .. غدا سأكون (طنط أحلام) .. بعدها ربما (حاجة أحلام)

يا لألقابك السعيدة أيها الزمن .. لماذا تغاضيت عن لقب مثل (مدام أحلام) مثلا .. أو ربما (أم فلان) هل سأحرم منهما للأبد

أخبرنى يا زمن

سلطان الشوق 22-03-2014 01:24 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
22)


صدفة





اليوم قابلت صفاء .. لم أكن قد رأيتها منذ تلك الزيارة الحزينة .. كانت تسير يسبقها بطنها المنتفخ .. سعدت جدا لرؤيتها وسلمت عليها بحرارة وأنا أظن أن الحياة قد تهادنت معها بعد حملها .. لكن شىء ما فى نبرات صوتها لم يشعرنى بالارتياح .. ولم أتمكن من معرفة ما بداخلها حيث كانت تخفى عينيها بنظارة شمسية ضخمة لم تكن تعتاد على ذلك فيما مضى .. وقد قمت بذكاء بنزع النظارة عن وجهها وأنا أتصنع المرح لأصدم من تلك الكدمة الزرقاء التى تحيط بعينها





شعرت بالحزن الشديد من أجلها وقد ارتبكت بشدة وهى تعيد النظارة لتخفى معالم الجريمة التى اُرتكبت فى حقها .. ودعتها بعينى وهى تهرب من أمامى تتعثر فى خجلها .. وتركتنى وأنا أغلى من الغضب .. أى رجل هذا الذى تسول له نفسه أن تمتد يده بالسوء إلى زوجته الضعيفة والتى تحمل طفله فى أحشائها .. أى بشر هذا الذى اُنتزعت من قلبه الرحمة والرفق بشريكة العمر





كنتِ محقة يا صفاء فى شعوركِ نحوه .. ليتهم يعرفون من ألقوا بكِ فى براثن هذا الوحش القاسى فقط لتحملى صفة زوجة أحدهم .. سامحهم الله





مضيت فى طريقى والدموع تغشى عينى وبركان من الغضب يغلى بداخلى ويهدد بصب الحمم فوق أول من يوقعه حظه العثر أمامى الآن





وصلت للمكتبة وبدأت العمل وأنا أشعر بأن حرارتى تزداد بفعل الآتون المشتعل بداخلى .. كل حركاتى عصبية .. أضغط بعنف على أزرار الحاسوب .. أتعامل بقسوة مع ماكينة التصوير .. أقذف بالكتب فوق الأرفف بحدة كقوالب الطوب .. الحق أننى أوشك على تدمير المكتبة لو لم أقم بإفراغ شحنة الغضب تلك التى تجتاحنى كالإعصار





وجاء هو .. لم يقل له أحد أن يأتى اليوم بالتحديد .. لقد ساقه القدر لى .. وهو يستحق تماما ما سيحدث له





- صباح الخير يا أحلام


- ..................


- مالك يا أحلام فيه حاجة





أجبت بلهجة جافة


- مفيش





سألنى مغالبا دهشته


- طيب المكتبة أخبارها إيه؟





أجبت بغلظة


- زى ما أنت شايف


- نعم


قلت بعصبية غير مبررة


- إيه قلت حاجة غلط بأقولك زى ما انت شايف .. انت شايف ايه؟





سألنى بحنان


- فيه إيه يا أحلام .. مالك؟


- ماليش


- ليه عصبية كده انهاردة؟





هتفت بحنق


- شىء ما يخصش حد





أجابنى بدهشة


- كده يا أحلام .. هو أنا حد برضه





قلت باستفزاز


- أمال حضرتك تبقى إيه .. سبت مثلا





فوجئت بضحكة غير متوقعة وهو يقول


- الله يسعدك يا أحلام .. سكر حتى وانتِ متنرفزة





أربكتنى جملته فقلت لأخفى خجلى


- إيه سكر دى





أضاف بابتسامة ساحرة


- طب نخليها عسل





زادت ضربات قلبى من تلك الصفات التى لم يجرؤ أحد من قبل على إلصاقها بى .. قلت بارتباك


- سكر إيه وعسل إيه .. إيه التلزيق ده ع الصبح





واصل هو سيمفونية الضحكات ضاربا بمخططاتى النارية عرض الحائط


- هههههه والله شربات


- إيه ده انت بتعاكسنى يا حضرت





أشار بيده كمن ينفى تهمة عن نفسه


- بعاكسكِ .. لأ أبدا ما تفهميش غلط ده أنا حتى مؤدب ومتربى





قلت له وأنا أتميز من الغيظ


- أمال إيه اللى بتقوله ده ؟





قال ببرودة الثلج وهو يهز كتفيه


- أبدا باحاول أخرجكِ من اللى انتِ فيه ده





عادت النيران تتأجج بداخلى بعدما ألقى بى من سماء الحلم السابعة فقلت بحدة


- اللى أنا فيه ميهمش غيرى .. ومش محتاجة مساعدة حد





اقترب وهو يقول بمرح


- طيب تنفع مساعدة سبت





دفعت كلماته ابتسامة صغيرة على وجهى دون إرادتى هادمة كل ما بنيته منذ لحظات





لا فائدة لن يمكننى تصنع الغضب منه .. إنه قادر على امتصاص كل ما بى فى لحظات لتبقى كل ذرة فى كيانى متشبعة به هو .. هو فقط





أى عذاب هذا الذى أتجرعه من بين يديك وأنت لا تشعر





أى عذاب

سلطان الشوق 22-03-2014 01:24 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(23)
عريس!!



- مبروك يا أحلام
قذفتنى بها أمى فور دخولى إلى البيت وهى تحتضنى بشدة

قلت بدهشة
- خير يا ماما

أجابتنى من بين دموعها
- خير يا حبيبتى .. أخيرا هافرح بيكِ يا بنتى .. جالك عريس يا أحلام

صدمتنى تلك الكلمة الجديدة التى تغزو أذنى للمرة الأولى
- بتقولى إيه يا ماما؟
- باقولك جالك عريس يا أحلام .. مبروك يا بنتى

عاصفة من القبلات الحارة والأحضان الدافئة هبت علىّ من الجميع وهم يهنأوننى بتلك المناسبة التى سيخلدها التاريخ

لم أكن قد استعبت الأمر تماما وأمى تجذبنى من يدى إلى غرفتى وهى تتكلم دون انقطاع عن العريس المنتظر الذى سيأتى فى المساء

برودة عجيبة تزحف على جسدى .. لم أشعر بالسعادة التى ظننتها مقرونة بقدوم ذلك الكائن الأسطورى إلى بيتنا أخيرا

كنت أشعر بالخوف والضيق أيضا .. لو كان قد قرر القدوم مبكرا قليلا قبل أن أتعلق بخالد إلى تلك الدرجة .. ربما وقتها كنت سأشعر بالسعادة حقا .. لكن اليوم لا مجال لأحد لأن ينافس خالد على قلبى الذى احتله هو بالكامل

لكنى لم أشأ أن أطفىء تلك الفرحة التى تشع من عينى أمى وهى تخرج أثوابى من الخزانة لتنتقى لى ما سأرتديه الليلة وهى تكاد تطير من السعادة .. لقد ظنت أن مثل هذا اليوم لن يأتى قط .. ولم أظن أنا أنه عندما يأتى لن يجدنى فى انتظاره أبدا


اكتشفت أمى اليوم أن أغراضنا الثمينة ما زالت عند جارتنا أم سمر منذ خطبة ابنتها .. لقد نسيتها أمى تماما .. ربما ظنت أنها لن تحتاجها أبدا .. وقد قامت أمى بتجنيد مى لاستدعاء طابور النمل البشرى الذى تذكرونه وأعدوا مخططا لاقتحام بيت الجيران واسترداد ممتلكاتنا الأسيرة دون أدنى خسائر .. وقد قاموا بعملهم على أكمل وجه .. وعادت لنا أغراضنا الحبيبة وقد اكتشفنا أنهم قد جلبوا أيضا بعض الأغراض الجديدة الخاصة بجهاز سمر على سبيل التعويض عن التأخير المتعمد .. لكن أمى بنفس متسامحة أعادتهم لأم سمر قبل أن تكتشف اختفائهم وتصاب بنوبة قلبية

كم أنتِ طيبة يا أمى


*****


وجاء المساء
وجاء العريس

واحتشدت العائلة لاستقباله استقبال الفاتحين أو ربما أكثر
ما زال قلبى يخفق بشدة ورعشة القلق تلك تنتابنى من وقت لآخر
اختفيت فى حجرتى بعض الوقت كما هى التقاليد ومن ثم حانت لحظة المواجهة

وأقول لكم أن تلك اللحظة ليست فى صالح الفتاة أبدا .. فبينما يجلس العريس المبجل بأريحية على مقعد الصالون .. تكون الفتاة المسكينة فى أسوأ حالاتها وهى تخطو بقدم مرتعشة إليه وقد حملت كالعادة صينية ضخمة يحتشد عليها كل ما يصلح للاستهلاك الآدمى والمطلوب منها أن تحملها بثبات وتقدم منها للعريس قبل جلوسها .. ما لم تقم بواجبها وتسقط عليه محتوى الصينية العامرة لينال جزاء عادلا وقتها

بالطبع كانت أمى ستفتك بى إذا ما فعلتها .. وقد تمت المهمة بنجاح .. ووضعت الصينية العملاقة على الطاولة قبل أن أجلس فى مواجهته تماما

حتى الآن لم تواتينى الشجاعة للنظر لوجهه .. كل ما أفعله هو الاستماع للأحاديث التى تدور حولى وتلتقط أذنى من حين لآخر ذبذبات صوت غريب علىّ لأعرف أنه يخصه .. حاولت أكثر من مرة رفع عينى لأختلس نظرة واحدة إلى هذا المخلوق لكنى لم أتمكن من ذلك

ما هذا السخف .. لم أتصنع دور الفتاة الخجولة التى لم تر رجلا فى حياتها؟ .. لقد كبرت على هذا الهراء .. أنا الآن ناضجة بما يكفى ولا يجب علىّ الارتباك هكذا كمراهقة صغيرة

شددت قامتى بكبرياء ورفعت وجهى نحوه لتسقط صورته فوق عينى مباشرة .. وليسقط قلبى فى قدمى

سلطان الشوق 22-03-2014 01:25 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
24)
من هذا؟



لا .. ليس الأمر بهذا السوء .. لا يبدو مرعبا .. ولا يثير مظهره السخرية .. ولا تتنافر ألوان ملابسه بصورة مقززة .. يبدو عاديا .. عاديا جدا .. رجل تقابله يوميا فى الطريق ولا يثير انتباهك أبدا .. رجل آخر ليس خالد .. فقد اقتنعت تماما أن كل من بقى من بنى جنسه لا يقارنون به .. إنهم نسخ باهتة منه .. وأنا لا يمكننى العيش مع نسخة باهتة



أخذت أقارن بينه وبين خالد .. إنه لا يجلس مثل خالد .. لا يتكلم مثل خالد .. تلك الابتسامة الزائفة لا تشرق من شفتى خالد .. تلك النظرة الخاوية لا تنبعث من عينى خالد .. هذا الرجل ليس بخالد .. فكيف يمكننى العيش معه؟!



وأخذت قرارى الصادم وأخفيته فى أعماق نفسى وأنا أدعو الله أن يعيننى على توابعه المدمرة وأتمنى ألا يصل الأمر لإيداعهم لى إحدى مصحات الأمراض العقــ ... احم النفسية



انتبهت فجأة على صوت غريب وهو ينطق اسمى .. نظرت نحوه بعدائية .. حتى اسمى لم يعجبنى حين نطقه هو .. خالد لا ينطق اسمى هكذا أبدا .. يا لك من تعس كونك لست خالد يا .... يا من لا أعرف اسمك بعد .. منحنى ابتسامة صفراء .. هذا ليس لونها إنما لون أسنانه البائسة التى لا تقارن بأسنان خالد اللامعة .. تبادلنا جملتين أو ثلاثة كنت أتعمد أن يكون ردى مختصرا وغير ودود بالمرة .. انشغل من حولنا بأحاديث جانبية تاركين لنا فرصة الحديث معا



أشعر بثقل يهوى على قلبى كلما اضطررت للرد على أسئلته السخيفة .. يبدو كما لو كان يجرى امتحان لإحدى تلميذاته .. نسيت أن أقول لكم أنه مدرس .. وكم أمقت المدرسين – أقصد منهم هؤلاء الذين يظنون مهمتم الوحيدة فى الحياة هى أن يحيلوا حياة تلاميذهم إلى جحيم - لهم معى ذكريات غير سعيدة بالمرة .. لاشك أنه سيجلب عصاه الخشبية إلى البيت ليضربنى بها على أطراف أصابعى إذا ما أخطأت فى شىء .. وربما سيجعلنى أرفع ذراعى عاليا وأنا أواجه الجدار إذا ما قمت بمخالفة أوامره .. ارتعدت فرائصى للفكرة وصممت على ألا أترك له فرصة واحدة ليقبل بى ويضعنى فى مأزق لا يمكننى الهرب منه



وقد جاءت تلك الفرصة أخيرا



- وهو انتِ عندك كام سنة يا أحلام؟
قلت بلا تردد
- 31 سنة



صحيح أنه يفصلنى عنها ما يزيد عن ستة أشهر والأولى بنا ألا نضيف تلك السنة قبل إتمامها .. هذا إذا أضفناها أصلا .. ناهيك على أن تلك الثلاثين لا محل لها من الإعراب ونظرية 29 ونصف تفى بالغرض تماما .. لكن من قال أننى أريد التجمل الآن .. لقد قذفت بها فى وجهه دون أن يطرف لى جفن وقد تسببت فى أن يغص بكأس العصير وأن يسعل مرات عدة حتى تحول وجهه لحبة طماطم ناضجة .. والجميع يلتفون حوله من يعطيه شربة ماء .. ومن يعطيه لكمة فى ظهره على سبيل المساعدة .. وهو ينظر لى بعينين دامعتين من أثر السعال أو علها من أثر تلك الــ 31 التى قذفتها فى وجهه



لحظات عذابه أشفتنى من كل أشباح الماضى التى طاردتنى طيلة سنوات الدراسة .. وهى الآن تتمثل فى هذا الجالس أمامى .. لا ينقصنى سوى عصا غليظة أذيقه بها طعم الألم الذى يسقيه للتلاميذ الأبرياء



انتهت نوبة الاحتضار هذه للأسف .. وعاد كل إلى مكانه .. وجلس هو منكس الرأس ينظر لى خلسه من وقت لآخر ثم ما يلبث أن يهرب بعينيه بعيدا عن ملامحى التى تنذر بالويل .. ثم استأذن بعدها ورحل بخطوات مرتبكة وهو لا يصدق كونه نجا بنفسه



لا أظنه سيعاود الكرة ثانية



وداعا يا أستاذ

سلطان الشوق 22-03-2014 01:25 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(25)
نار الغيرة


لم أحدث أحد عن قرارى بعد .. لكنى انتويته ولن أقوم بتغييره تحت أى ضغط .. ولن أقبل أن يفرض أحد علىّ الزواج ممن لا أريد .. حتى لو كان هو محطتى الأخيرة قبل أن يرحل قطار الزواج بلا عودة .. لن يجعلوا منى صفاء أخرى .. هذا لن يكون

ورغم ذلك فقد كان بعض الأسى يغزو قلبى حين أفكر بأمى وأتذكر فرحتها الكبيرة وأملها الأكبر فى أن ترانى عروس يوما ما .. لكنى لا يمكننى أن أقبل بالشقاء لتعيشى لحظات سعادة زائفة .. لن تكونى سعيدة بعدها بحال ابنتكِ التعيسة .. سامحينى يا أمى

- صباح الخير يا أحلام

نظرت له فى شرود وأنا أهز رأسى فى صمت

اقترب منى والشمس تشرق من شفتيه وهو يقول
- إيه يا أحلام .. سرحانة فى إيه؟

تعلقت عيناى بأسنانه البيضاء وأنا أقارنها بتلك المقيته التى رأيتها أمس .. لامجال للمقارنة أبدا

- أحلااااام
أفقت أخيرا وعدت للوعى من جديد
- أيوة
- حمد الله ع السلامة
- إيه
- سرحانة فى إيه
- أبدا

هز رأسه وابتعد قليلا .. لا .. يجب ألا تضيع تلك الفرصة أبدا .. أضفت بارتباك خجول

- أصل .. أصل ..
قال وهو يتفحص بعض الكتب
- أصل إيه؟
- أصل جالى عريس امبارح

التفت نحوى ببطء وتعبير عجيب يكسو ملامحه وقد غابت الشمس من بين شفتيه وهو يمسح وجهى بنظرة صدمة عميقة ويقول
- إيه!!

ابتلعت ريقى الذى جف من التوتر وأنا أقول
- عريس .. جالى عريس امبارح

شرد بعينيه بعيدا للحظات قبل أن يسألنى
- وأنتِ وافقتى

خفق قلبى بشدة لتلك التغيرات التى لم أتوقعها أبدا .. وذلك الحزن الذى كسا ملامحه فجأة .. كدت أندفع لأقول له أننى لن أوافق أبدا .. لن أرتبط برجل هو ليس أنت .. لا يحمل ملامحك .. لا ينبض قلبك فى صدره .. لا تسكن روحك جسده .. فأنا لا أرى سواك فى هذا الكون .. لكن شيئا ما أجبرنى على ابتلاع كل مشاعرى وأنا أقول

- لسه .. لسه ما وفقتش

هز رأسه وهو ينظر لى ويقول
- وهو .. يعنى كويس .. أقصد هو يستاهلك يا أحلام
أشعر بالدوار .. لن يمكننى التماسك أكثر .. ما الذى تخفيه عنى يا خالد .. أخبرنى بالله عليك

أجاب لسانى الذى يعمل بمعزل عن باقى أعضائى الموشكة على الانهيار
- أنا لسه ما أعرفوش

تنهد بحزن وهو يقول
- خدى وقتك يا أحلام .. بس اتأكدى بعدها انك اخترتى صح

بالطبع لقد أجدت الاختيار .. ولن أختار سواك .. هناك شلال من السعادة ينساب فى روحى الآن .. هل ما أشعر به حقيقى .. هل أحببتنى حقا يا خالد .. لم أعد أشك بذلك .. على مدار اليوم لم يكف خالد عن توجيه الأسئلة حول العريس

- هو اسمه ايه يا أحلام؟
- هو مين؟
- العريس
*****
- هو بيشتغل إيه يا أحلام
- هو مين؟
- العريس

*****
- هو عنده كام سنة يا أحلام
- هو مين؟
- العرييييييييييس

هل هناك من اعتراض على أن ما يشعر به خالد يدعى الغيرة .. وما معنى أن يغار هو من العريس .. لا معنى له سوى أنه يحبنى حقا .. كم أشعر بالامتنان لذلك العريس الآن .. أخبرونى من تكون تلك التى تدعى أنها أكثر منى سعادة على وجه الأرض

اتركونى مع العندليب الآن

أول مرة تحب يا قلبى وأول يوم اتهنى
ياما على نار الحب قالولى ولقيتها من الجنة
أول مرة ... أول مرة

سلطان الشوق 22-03-2014 01:26 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(26)
أنت عمرى


عدت إلى البيت وأنا أطير من السعادة .. تحلق حولى فراشات ملونة وترفرف فوقى طيور وردية وهى تغرد أغنية الحب الأبدية

قابلت مى ملاكى الجميل على الباب .. رفعتها بيدى وأخذت أدور بها فى كل البيت وأنا أشعر بأنى فى خفة ريشة طاووس ملونة يداعبها النسيم

يا له من إحساس رائع .. أين غاب عنى كل تلك السنوات .. لم حُرمت الشعور به طيلة العمر الذى تركته خلفى ولن يعود .. ولم أشعر بالخوف من أن يضيع منى فى الغد؟ .. يا له من عذاب لذيذ .. يا لها من سعادة مؤلمة .. مزيج عجيب لن تصدقه حتى تتذوقه بنفسك

(ابتديت دلوقتى بس أحب عمرى .. ابتديت دلوقتى أخاف للعمر يجرى)

نعم أخاف الزمن .. أخشى أن يتسرب العمر من بين يدى كحبات الرمال .. أتوسل إلى عقارب الساعة أن تبطىء قليلا .. وأرجو أوراق التقويم ألا تتسابق فى الذهاب إلى حيث لا عودة حاملة معها أيام عمرى


أرجوكم اتركونى أهنأ قليلا بتلك السعادة التى عرفت عنوان قلبى أخيرا


جلست على المقعد وأنا شاردة أسبح فى بحر أحلامى ولا أريد العودة إلى شاطىء الواقع .. لا أدرى كم بقيت فى هذا الوضع كالتمثال حتى أفقت أخيرا وانتبهت لأمى الجالسة بجوارى صامتة وحزينة جدا

عجبا .. لم تكن تلك حالتها فى الصباح .. فهى منذ أمس وهى تكاد تطير من السعادة .. ما الذى حدث يا ترى؟ .. ووجدتنى أسألها

- مالك يا ماما؟

أجابتنى بعد لحظة صمت وهى تتحاشى النظر إلى وجهى
- مفيش يا بنتى .. انتِ عاملة إيه .. شايفاكِ مبسوطة


قلت بسعادة وأنا أضم يدى إلى قلبى
- أوى يا ماما

حاولت أن تدارى دمعة هربت من عينها قبل أن أراها .. انتابنى القلق وأنا أقول لها
- فيه إيه بس يا ماما؟


مسحت دموعها وهى تقول
- أبدا يا بنتى .. أصل ..
- أصل إيه؟


قالت لى بحزن
- أنا عارفة انكِ كنتِ فرحانة بيه .. بس هنعمل إيه يا بنتى .. نصيبك كده


سألتها بدهشة
- هو مين ده اللى فرحت بيه؟!
- العريس


عادت لى الذاكرة وأنا أقول
- آه .. ماله يعنى


قالت بحروف مرتبكة
- يعنى .. أصل ... هو


قلت بنفاذ صبر
- فيه إيه يا ماما .. ماله البيه .. عمل حادثة
- لأ
- اعتقلوه عشان ضرب تلميذ
- لأ
- مات م الفرحة لما شافنى ومصدقش نفسه
- لأ
- أمال إيه بس؟


قالت لى وهى تكاد تفر من أمامى
- هو يعنى .. بيقول مفيش نصيب


هتفت باستنكار
- إيه؟!!

قالت لى بتردد
- أصل يا بنتى .. هو يعنى .. عاوز واحدة .. أ أ

قلت بحنق
- واحدة إيه يا ماما .. أحلى منى
- لأ
- أغنى منى
- لأ
- أحسن منى
- لأ
- أمال إيه
- أ أصغر منك


نظرت لها للحظات فى عدم استيعاب .. رغم كونى أنا من أردته أن يذهب عنى بلا عودة .. لكن إحساس الرفض من قبل ذلك الكائن لى يشعرنى بالغيظ .. أنا من رفضته أولا .. وربما من قبل أن أراه .. كيف يسمح لنفسه أن يظن أنه هو من رفضنى ويقول ذلك مباشرة لأمى ويتسبب لها فى كل هذا الألم والانكسار .. وربما صور له خياله المريض أننى الآن أبكى ندما وأعض فى أطراف السجاد وأرطم رأسى بجدران البيت حزنا عليه .. من تظن نفسك أيها البائس


لا بد أن أفكارى انعكست على ملامحى والتى بدت لأمى كرد فعل على حزنى من ضياع عريس الأحلام هذا من بين يدى .. قلت لها فى سرعة
- وأنتِ فاكرة إنى زعلت عليه يا ماما
- أمال إيه؟
- أبدا ده أنا ما صدقت أنه يبعد عننا .. بصراحة معجبنيش خالص .. بس خفت على زعلك انتِ
- بجد يا أحلام
- أيوة
- أمال كنتِ مبسوطة أوى وانتِ داخلة من الباب من شوية
- وتفتكرى هو ده ممكن يفرح فرخة حتى .. الله يسامحك يا ماما
- وإيه بقى اللى فرحك
- أ أ عادى يا ماما هو لازم واحد يعنى هو اللى يفرحنى .. أنا فرحانة لوحدى

هزت رأسها ورمتنى بنظرة متشككة قبل أن أغادرها إلى حجرتى

استلقيت على فراشى وأنا لا أصدق أن هذا الكابوس انزاح عن رأسى .. لا مكان سوى للأحلام الوردية فقط .. هل ستفرح يا خالد عندما أخبرك أننى رفضت العريس .. بالطبع أنا من رفضه .. لا يمكنكم إنكار ذلك أبدا

ترى ماذا سيفعل وقتها .. هل ستحل عقدة لسانه ويخبرنى بمكنون قلبه .. لا أدرى كيف سأتحمل ما سيقوله لى وقتها دون أن أنهار من السعادة .. لابد أنه سيضطر إلى طلب الإسعاف حينها

وعدت أحملق فى السقف وشعور بالخدر يسرى فى أعصابى

( يا أغلى من حياتى .. ليه ما قابلنيش هواك يا حبيبى بدرى)

لا يهم .. المهم أنه قد قابلنى أخيرا .. وربما ما زالت هناك محطة أخيرة للقطار فى انتظارى

سلطان الشوق 22-03-2014 01:26 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(27)
براعم فرح


طوال الطريق إلى المكتبة وأنا أفكر فيما سأقوله له .. وانتقى من الكلمات ما ينبهه لكونى لن أكون لسواه .. عله وقتها يتمكن من قول ما يخفيه عنى وأراه جليا فى عينيه .. لا أدرى لم طال الطريق فجأة .. أم أن لهفتى تهيىء لى ذلك

وأخيرا وصلت .. وجدته هناك .. لم تكن تلك عادته أن يسبقنى لفتح المكتبة .. كما لم يكن الشرود يزور ملامحه فى مثل هذا الوقت .. لا أحتاج لكثير من الذكاء لأعلم سببه .. فقلبى يتقافز بين ضلوعى فرحا بذلك .. فقط أتمنى ألا يصل صوت سعادته إلى مسامعه

- صباح الخير
قلتها بهدوء وأنا أدخل إلى المكتبة

- صباح النور يا أحلام
قالها وهو ينتفض من مكانه وينظر لى فى لهفة لم أعهدها

ابتعدت بوجهى بعيدا عنه حتى لا يرى ابتسامة الفرحة وهى تشرق على وجهى
- إزيك يا أحلام
قالها بارتباك

- الحمد لله
قلتها بثبات أحسد نفسى عليه وأنا أتشاغل فى أمور عملى اليومية وأتحاشى النظر إليه

أعلم أنه يحترق شوقا ليعرف ما فعلت بغريمه .. بالطبع هو كذلك ألم تقتله الغيرة منه منذ عرف بقدومه .. ولكن من أخبركم أنه سيعرف بتلك السهولة .. رغم كل شىء فقد عشت لحظات مريعة من الألم بسبب صمته وعزوفه عن التعبير عن مشاعره لى .. والآن يريد أن يعرف ما أكنه له هكذا بلا لحظات من القلق والترقب والخوف والألم و....

لست بتلك القسوة أبدا .. أعذرونى .. تلك المشاعر الجديدة التى تجتاح قلبى الآن- والتى حلمت بها منذ سنوات تعبت من عدها - تجبرنى على الاستمتاع بها قدر استطاعتى .. وتدفعنى للتصرف كمراهقة صغيرة يدق قلبها للمرة الأولى

كنت أرى السؤال حائرا فى عينيه طوال الوقت ولم يجرؤ على البوح به ولم أظهر أنا أية نية للحديث عن هذا الأمر حتى استنفذ هو مخزون صبره أولا وبادرنى قائلا

- ها يا أحلام
التفت نحوه وقلت بهدوء
- نعم
- مفيش أخبار؟
عقدت حاجبى قليلا وأنا أقول
- أخبار إيه؟
زاغت عيناه بعيدا وهو يقول
- العريس .. انتِ نستيه ولا إيه
- آه
قلتها بلا مبالاة وأنا أعود لعملى ببرود يفوق القطب الشمالى ذاته

اقترب منى قائلا بتوتر لم ينجح فى إخفاءه
- ما قولتليش يا أحلام عملتى إيه؟
- فى إيه؟
- فى موضوع العريس .. ركزى شوية

قلت بلهجة جادة
- هو أنت مهتم أوى كده ليه .. هو وصاك عليا

قال ببعض الارتباك
- هيوصينى أنا ليه يعنى؟
- عشان تقنعنى

قال بلهفة
- ليه هو انتِ مش مقتنعة .. قصدى يعنى هو مش عاجبك ولا إيه

أجبته بتعبير مبهم على ملامحى يعكس بعض التردد

قال بعد لحظة صمت
- طيب انتِ فكرتى كويس .. مش يمكن يكون مناسب

قلت بنظرة ثاقبة
- أنت شايف كده

هتف بسرعة
- لأ أبدا

تصنعت بعض الدهشة وأنا أقول
- ليه هو أنت تعرفه؟

قال بعد لحظة تردد
- لأ بس يعنى شكلك مش مقتنعة وأنا واثق أن عندك أسبابك

قلت بعد لحظة صمت وأنا أبتعد عنه بضع خطوات
- فعلا أنا عندى أسبابى

أضفت بعدها وأنا ألتفت إليه ببطء وأضغط على حروفى
- عشان أرفضه

سلطان الشوق 22-03-2014 01:27 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(28)
عاليا فوق السحاب



أشرق وجهه كما لم أره من قبل وعاد البريق إلى عينيه وهو يقول بسعادة بالغة
- بجد يا أحلام

وهنا تدارك نفسه قليلا فأضاف ببعض الجدية
- طيب أنتِ متأكدة من قرارك

هززت رأسى بصمت وعيناى تتابع مظاهر الفرح التى تتوالى على ملامحه والتى لم يستطع إخفاؤها

بعثر نظراته على كل ركن فى المكتبة قبل أن يقول
- أنا أتمنالك السعادة يا أحلام بس بصراحة كنت خايف لتسيبــ .. أ .. تسيبى المكتبة يعنى بعد ما اتعودنا عليكِ

هكذا إذن .. تتخفى خلف المكتبة يا خالد .. حسنا ما دمت تكره الأساليب المباشرة كالجميع .. لك ذلك

قلت بطريقته
- مستحيل .. مستحيل أسيب المكتبة أبدا .. دى كل حياتى

قال بلهجة غير مصدقة
- معقول .. يعنى مش هتفكرى تسيبيها أبدا

هززت رأسى بإصرار وأنا أردد
- أبدا

أقترب منى وما زالت الدهشة تتملكه وهو يقول
- طب ولو اتقدملك عريس تانى

قلت بلا تردد
- هأرفضه
- أنا مش قادر أصدق

نظرت لعينيه وأنا أقول بصدق
- أنا مش هاتجوز حد تانى غير المكتبة .. أنت ما تعرفش أنا بحبها إزاى .. بحبها أوى

- يعنى مش هتندمى على قرارك ده فى يوم من الأيام

- عمرى ما هندم لأنى اخترت صح

ذلك البريق الذى يتضاعف فى عينيه .. تلك الابتسامة التى تشرق على وجهه .. هذه الفرحة التى خرجت عن نطاق سيطرته .. كلها قالت لى الكثير وإن لم ينطق لسانه به بعد

آه يا خالد .. لم أكن لأستبدلك بكنوز الكون .. يا أجمل ما حدث لى منذ قدومى إلى الحياة .. يا أحلى هدية أرسلها لى الله ليعوضنى عما مضى من عمرى .. يا طعم الشهد الذى سينسينى مرارة الصبر الذى تجرعته سنوات وسنوات

وكطفل صغير أفلت من يد أمه فوجئت بخالد يطلق صيحة فرح وقد تفجرت ينابيع السعادة من كل خلاياه دفعة واحدة وهو يقول لى

- يااااه يا أحلام .. ما تعرفيش أنتِ عملتِ إيه .. شلتى هم كبير أوى من على قلبى .. أنا مش عارف أقولك إيه .. ولا أشكرك إزاى

وتوقف قليلا ليلتقط أنفاسه المتلاحقة وراح يمرر يده على جبينه كمن يبحث عن كلمات مناسبة قبل أن يضيف وهو ينظر فى عينى

- أنتِ أحلى أحلام فى الدنيا

أخبرونى أرجوكم هل ما زلت على قيد الحياة .. هل ما يحدث لى حقيقة .. أم أننى فى حلم جميل سأصحو منه بعد لحظات .. فليصنع أحدكم شيئا ما يؤكد أننى لا أحلم و ....

آآآآه .. شكرا لك أيها المقعد .. نعم شعرت بتلك الصدمة إذن أنا لا أحلم .. فقط عيناى تحدق فى الفراغ الذى تركه خالد خلفه قبل أن يغادر المكتبة ركضا كطفل صغير

لا أدرى إلى أين ذهب حاملا معه كل كيانى وتاركا خلفه غلاف خاو مندهش يشبهنى .. فقط أتمنى ألا يتهاوى قبل أن يعود خالد بروحى من جديد

سلطان الشوق 22-03-2014 01:27 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(29)
ذكريات


أعدت ترتيب الكتب وأنا أعدل من وضع نظارتى الطبية على عينى .. لابد من تغيير تلك النظارة .. أن نظرى يضعف باستمرار .. جلست على المقعد وأنا أغمض عينى لأريحها من هذا الجهد اليومى .. لقد استهلكت الكتب نور عينى لكنى سعيدة على أى حال

تسألون عنى .. أنا بخير والحمد لله .. هدأت العواصف وسكنت الرياح وأفرغت السحب دموعها وما عاد بحر الحياة يلقى إلىّ بمفاجآته .. ولم يعد هناك شىء قادر على إثارة دهشتى .. الأيام تمضى بهدوء وقد ترفقت بى أخيرا


ماذا؟ .. هل تمزحون؟ .. أى عريس! .. لقد نسيت تلك الكلمة منذ زمن .. ولم يعد شىء منها يثير فىّ أى انفعالات .. وقد نسيها كل من حولى .. فبعدما تتخطى الأربعين لن يكون هناك ما يثير ضيقك بأى حال .. هناك سلام مع نفسك لم تعهده من قبل .. وقد أيقن الجميع أن لا شىء يدعو للدهشة فى ذلك .. وكفت الألسنة عن السؤال وغضت العيون عن النظرات التى لا مجال لها الآن .. لقد بت أمر واقع اعترف به الجميع وقبلوه فى صمت

وقد كففت منذ زمن عن الرثاء لحالى .. ولم أعد أضبط نفسى تحلم من جديد .. فقد نسيت الأحلام منذ زمن بعيد .. تحديدا منذ رحيل خالد
ماذا؟ .. ألم أخبركم بما حدث حقا .. أعذرونى لم أعد أتذكر بعض الأشياء .. لكنكم أعدتمونى لذكريات بعيدة .. فقط دعوا قلبى يطلق تلك التنهيدة لتريحه من ألم العودة إلى تلك اللحظة التى ألقت بى من سماء الحلم السابعة ودفنتنى تحت آخر طبقات أرض الواقع المظلم

*****

عاد خالد إلى المكتبة وأنفاسه تتلاحق وابتسامته لا تغيب عن وجهه .. وبعد أن هدأ قليلا .. نظر لى بامتنان شديد وهو يقول
- مش عارف أقولك إيه يا أحلام .. أنتِ رجعتيلى الحياة من تانى

قلت وقلبى يدوى كالطبل
- أنت بتبالغ
- دى الحقيقة

قلت بتوجس لا أدرى سببه
- أنا .. أنا مش فاهمة
قال بسعادة
- هافهمك

وبدأ يتكلم .. وبدأ كل شىء فى التهاوى من حولى .. وبدأت الأحلام تتلاشى .. والألوان تمتزج معا لتخرج لونا قاتما كئيبا يليق بمأساتى .. لا أدرى كيف أمكننى الصمود أمامه وكلماته تمزقنى وتنزع الهواء عن رئتى وتمنحنى حكما بالطرد من حياته وربما من الحياة ذاتها

كان يتكلم بحماس عن حياته التى تركها خلفه فى تلك البلاد البعيدة واضطر إلى القدوم إلى هنا ليرعى حلم عمه الراحل وفاء منه لروحه .. وقال لى أن كان يشعر بالطمأنينة لكونى أنا أيضا أرعى هذا الحلم كأفضل مما تمنى وقد بدأ يرتب ليعود مرة أخرى إلى هناك تاركا لى تلك الأمانة وواثقا من كونى سأحفظها بقلبى .. وأن القلق الذى اعتراه حين علم بقدوم العريس - الذى ربما كان سيشغلنى عن العمل بالمكتبة - كان مبعثه الخوف على تلك الأمانة التى قد تعود ليديه وتكبله من جديد عن العودة لحياته التى رسمها لنفسه والتى أيضا لا مكان لى فيها كما خيل لى حلمى المستحيل

منعت بحزم تلك الدموع التى تحتشد فى عينى وتنذر بالاندفاع كالشلال لتضعنى فى موقف أعجز عن تفسيره .. ولا أدرى من أين جئت بتلك القوة لأتماسك وأنا أرد عليه وأطمئنه أن ثقته فى محلها وأن هذا هو حلمى أنا أيضا كما كان حلم لعم حامد طيلة حياته وأخبرته أيضا أننى لن أتخلى عن تلك المكتبة طالما بقيت على وجه الحياة

يعلم الله كم احتجت من جهد لأرسم تلك الابتسامة الواهنة فوق ذلك الغلاف الخارجى الذى يرسم ملامحى بينما تفتت كل كيانى لذرات .. لم يعد هناك ما يربطها ببعضها ببعض وتهدد بالانهيار فى أية لحظة .. وحمدت الله أنه غادرنى بعدها وهو يتعثر فى فرحته

لم يغب عنى أن تلك الفرحة لا تقترن سوى بأحد ما قد نُقشت صورته على جدران قلبه .. أحد ما قادر على منحه تلك السعادة اللامتناهية لشعوره أنه سيعود إليه قريبا .. أحد ما ينتظره فى تلك البلاد البعيدة وقد ذهب ركضا ليطمئنه أن اللقاء قريب .. أحد ما سواى

كم كنت ساذجة يا أحلام .. لقد ألقيت كل مشاعركِ فوق قلب ليس لكِ ولن يكون .. أفرغتِ كل أحلامكِ وعقديتها كطوق ياسمين ونثرتيه حوله فداسته خطواته التى تشتاق الرحيل .. ماذا فعلتِ بنفسكِ أيتها الحمقاء .. كان لكِ فارس أحلام جاء متأخرا .. ولم تكونى له سوى تلك العانس المخلصة التى تعشق الكتب وترعاها كأفضل ما يكون

أى مرارة تلك التى تجرعتها .. أى كوابيس سوداء طاردتنى ليال لا أعرف عددها .. أى عذاب قرر كونى مهمته الوحيدة فى الحياة .. أى هواجس تملكتنى وأنا أحلم كل لحظة بأنه سيعود لى بعدما يشعر بفراغ حياته من بعدى مثلما أشعر أنا بغيابه .. الفراغ ذلك الكائن الذى يلازمنى بعد رحيله ويذكرنى دوما أن لا أحد يستحق مكانه قط رغم كل شىء

أنا لا أحقد عليه .. لا أتهمه بشىء .. ليس هو السبب فيما عانيته .. ليس هو من نسج حلما تلو الآخر من خيوط عنكبوت واهية .. ليس هو من بنى قصرا من رمال الوهم هدمته موجة حقيقة لم يشأ أن يراها رغم قربها منه .. ليس هو من تخيل أن أحلامه ستتحقق لمجرد أنه أراد ذلك بشدة .. أنا لا ألوم سوى نفسى .. هو لم يعدنى بشىء فلم أطالبه أن يفى بوعد لم يقطعه

وإن كنتم ترون فى موقفه بعض الأنانية .. فقد كنت أنا كذلك أنانية بدورى حين أردته لى دون أن أفكر فى مشاعره هو تجاهى أو مشاعر من ملكت قلبه قبل أن ألقاه

لقد أعمانى الوهم عن حقائق كثيرة كان علىّ التفكير بها قبل أن ألقى بكل مشاعرى نحوه كغريق يتعلق بطوق نجاة

لا ألومك يا خالد .. لترحل لعالمك .. ولتعش حياتك .. ولتسعد كثيرا .. فسعادتك تكفينى .. ولا تحمل هم هذا الجرح .. الزمن كفيل بمداواته

رحل خالد وظللت سنوات وسنوات أشغل نفسى بالعمل وأغرقها وسط الكتب كما فعل عم حامد .. كان يعوض بها حرمانه من الأبناء وكذلك أنا فقد اكتفيت بها وعوضتنى عن حياة لم يشأ الله أن يهبنى إياها .. كنت أضع إيراد المكتبة الشهرى فى حساب خالد فى البنك بعد خصم مرتبى الذى تضاعف من أثر امتنان خالد لى والذى وفر لى حياة كريمة

وعادت الحياة على وتيرة واحدة يقطعها من حين لآخر اتصال من تلك البلاد البعيدة يحمل نبرات عزيزة على قلبى .. تثير فىّ بعض الألم وبعض الفرح لدقائق معدودة .. وقد بدأ تأثيرها يخفت تدريجيا مع السنوات .. ولم يعد صداها يدوى فى أرجاء روحى الفارغة طويلا مؤلما كما كان من قبل

سلطان الشوق 22-03-2014 01:28 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
(30)
أحلام
ليس الأمر بهذا السوء .. لقد اعتدت كل شىء .. ولقد غادرتنى الأحلام الوردية .. وعوضت الحلم الأكبر بالأمومة فى صغيرتى مى .. لقد كبرت حبيبتى وقد رعيتها جيدا لا سيما بعد رحيل الأحبة وهى الآن تدعونى بلقب جديد تمنيته طويلا (ماما أحلام) .. أليس هذا رائعا
*****
يمكننى الآن أن أحصر لكم ممتلكاتى الثمينة
لدى عصفور رقيق ملون
لا يكف عن التغريد بصوته العذب
ولدى قطة صغيرة بيضاء
لا تكف عن مشاكستى
ولدى مى
لا تكف عن الاعتناء بى
*****
مرت سنوات
لم يحتمل العصفور وحدته
كذلك ذهبت قطتى لتبحث لها عن حياة
لا يهم ما زال لدى مى
كم أنتِ جميلة يا مى .. حنونة يا مى .. أوشكتِ على إتماما دراستكِ الجامعية .. كم تنبت زهور الفرح فى قلبى حين أراكِ تحلقين كالفراشة فى البيت وتثيرين نسائم من البهجة حولى
*****
تمر السنوات التى لم أعد أكترث لها
ما زال لدى عملى الذى أحبه رغم إرهاقى منه
وما زالت لدى كتبى الحبيبة
ولم يعد لدى مى
لقد جاء فارسها وحملها على صهوة حلم أبيض
كم شعرت بالسعادة لها أكثر مما كنت سأفعل لنفسى
ما كان أجملها وهى تشرق فى ثوب زفافها الأبيض الذى طالما حلمت به .. لكن سعادتى برؤيتها فيه كانت أكبر من تخيلى
ها هو الحلم المجسد يتحقق لقطعة من روحى
هاهو يتمثل أمامى ليهبنى لحظات فرح اشتقتها طويلا
هاهو اللون الأبيض الحالم يغمر عالمى ويتوهج بألف شمس تنير ظلام روحى وتعلن إعتلاء النور عرش أيامى القادمة
ضممتها لصدرى ومنحتها قبلتى الدافئة بينما لمعت عينى بدمعة فرح وخفق قلبى بدعوة صادقة
أسعد الله قلبكِ يا حبيبتى
**********
هل أخبركم بآخر مشروعاتى
إن العجوز أحلام ما زالت ذات فائدة
لقد اقتنيت مجموعة كبيرة من الكتب الخاصة بالأطفال
وأعلنت فى الحى عن مشروع استعارة الكتب مع وعد بالحفاظ عليها وذلك بأجر زهيد نوعا ما ليشجع الصغار على القراءة
وما كان أسعدنى بذلك الإقبال الرائع من أطفال الحى وتزاحمهم على إستعارة القصص والكتب المخصصة لهم
لقد كان هذا حلما وقد بدأ يتحقق أمام عينى
هناك عشرات الأطفال تتزاحم يوميا أمام المكتبة وهم يتصايحون حولى
- ماما أحلام أنا عايز الكتاب ده
- ماما أحلام عايزة أستعير القصة دى
- ماما أحلام ممكن أخلى الكتاب ده معايا كام يوم كمان
هناك عشرات الأطفال ينادوننى بماما أحلام رغم كونى لم أطلب ذلك منهم
ياللروعة .. لم أكن لأحلم يوما بأن أنجب هذا العدد من الأطفال
يالرحمتك بى يا إلهى
حمدا لك
**********
اليوم تذكرت شيئا ما لم أتذكره منذ سنوات
لقد داعب عينى وأنا أنزع ورقة التقويم
اليوم هو يوم ميلادى
كم يبدو مثيرا للسخرية الآن
لم يعد يتحتم على التجمل ومحاولة إخفاءه
الأرقام الآن لعبة مسلية لا تثير الهلع
ولم تعد تفاجأنى أبدا
لكن من فاجأنى حقا هى حبيبتى مى التى لم تكف أبدا عن تذكر يوم ميلادى
وجائت هى وأسرتها الجميلة لتهنأتى
مى الآن أم لزهرتين فى غاية الجمال
وكم كنت ممتنة لها حين أطلقت اسمى على زهرتها الأولى أحلام وجعلتنى أنا أيضا من يسمى زهرتها الثانية وقد أسميته خالد .. رغم كل شىء فقد كان هو مبعث سعادتى الوحيدة يوما ما حتى وإن كانت زائفة
تحلقوا جميعا حولى وأحضروا لى كعكة كبيرة وبها عدد لا حصر له من الشموع
لازلتِ تصرين على ذلك يا مى .. لن تجدى بعد ذلك ما يكفى من الشموع التى تزداد بلا توقف
بعد مراسم الاحتفال جائتنى أحلام الصغيرة وطبعت على وجهى المتغضن قبلة وهى تقول بطريقتها الطفولية الجميلة


- كل سنة وأنتِ طيبة يا نانا أحلام
- وأنتِ طيبة يا حبيبتى
- بقى عندك كام سنة انهاردة يا نانا ؟
التاريخ يعيد نفسه ثانية .. لكن إحساسى أنا أختلف كثيرا جدا
منحتها ابتسامتى العجوز وأنا أقول لها
- إيه رأيكِ تحسبيها أنتِ .. أنتِ عندك كام سنة؟
رفعت لى كفيها وهى تفرق أصابعها العشر معا
هززت رأسى قبل أن أقول
- طيب أضربى عمرك x 3 والناتج اضربيه x 2 واللى يطلع اجمعيه على نفسه والناتج اقسميه على 2 هتعرفى وقتها عمرى كام سنة
فكرت قليلا قبل أن تقول
- دى صعبة أوى يا نانا .. مش هاعرف



ربت على رأسها وأنا أقول
- لما تكبرى هتعرفى يا حبيبتى



ابتسمت لى قبل أن تبتعد وهى تقفز بمرح .. نظرت لها بحنان وأنا أفكر أنى ربما لن أكون معهم حين يأتى هذا اليوم من جديد
فقط أتمنى لتلك الزهرة الجميلة ألا ترث نصيب من تحمل اسمها والتى أمضت العمر كله فى أحلام لم تزر يوما أرض الواقع
*************
تمت بحمد الله

صفاء 30-07-2015 10:20 AM

رد: (أحلام ) قصة رائعة * كاملة/ بقلم/ رشا الصغير
 
:
:

طرح رائع ومفعم بالجمال والرقي..
يعطيكم العافيه على هذا الطرح..
وسلمت اناملكم المتألقه لروعة طرحها..
سقيآ كوثر تدثر أنفاسك.،



،’


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas

تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع

Security team

This Forum used Arshfny Mod by islam servant